أثارت الرسالة، التي وجهها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، وباقي وزراء حكومته، والتي أمرهم فيها بإيقاف التواصل مع السفارة الألمانية في الرباط، ضجة كبيرة حول مدى قانونيتها، واحترامها للدستور.
وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الرسالة على نطاق واسع، واعتبروها تعكس حقيقة الوضع السياسي، القائم في البلاد، والذي يؤكد ضعف مؤسسة رئاسة الحكومة، وعدم منحها المكانة اللازمة، التي بوأها لها دستور 2011.
وفي تعليقه على الموضوع، قال خالد يايموت، المحلل السياسي، وأستاذ القانون الدستوري في جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، « يظهر أن رسالة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج لم تصغ من طرف الوزارة، وإنما فقط تم توقيعها، وتدبيجها فيها ».
وأضاف يايموت في تصريح لـ »اليوم24″ أن القرار « اتخذ في أعلى سلطة في المغرب، وصُرف عبر وزارة الخارجية، وهذا ما خلق نوعا من التناقض في الرسالة ذاتها، إذ أوحى بأن وزير الخارجية يأمر، ويوجه رئيس الحكومة ».
كما اعتبر المحلل السياسي ذاته أن الصيغة، التي جاءت بها المراسلة « خارجة عن العرف، والتنظيم الدستوري، والحقيقة تبين أن وزير الخارجية قام بإجراءات عملية فقط »، وذلك في إشارة إلى أن المؤسسة الملكية هي المعنية بالموضوع.
وأشار يايموت إلى أنه بالنظر إلى الجانب الدبلوماسي، والعلاقات الخارجية للمغرب، « فمعروف أن الملكية تتعامل بهذه الطريقة، ولو تم تصريفها عن طريق رئاسة الحكومة، لظهرت وفهمت الرسالة بأن ليس لها ثقلا كبيرا »، مبرزا أن البلاد فيها « تناقضات، من بينها تصريف مثل هذه القرارات، التي تظهر في أحشائها التناقضات القائمة في العمل السياسي في المغرب ».
ومن جهته، يرى عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة سطات، أن العلاقات الخارجية للمملكة المغربية هي « اختصاص حصري للملك، وقرار توقيف التواصل مع السفارة الألمانية قرار سيادي، صادر عن مؤسسة دستورية، ووفق ثقافة المؤسسات، التي عندنا في البلاد، ليس هناك مشكل ».
واستدرك اليونسي، في اتصال هاتفي مع « اليوم 24″، أن رسالة بوريطة تطرح ملاحظات من ناحيتي الشكل، والمضمون، مؤكدا أنها من الناحية الشكلية « لا تحترم شكليات التحرير الإداري، ولا الأعراف الإدارية ».
وبين اليونسي أن « المراسلات الإدارية عندما تكون من مرؤوس إلى رئيس، ينبغي أن تحترم شكليات التحرير الإداري، وإذا أراد وزير الخارجية أن يخاطب باقي الوزراء، فينبغي أن تكون المراسة من وزير الخارجية تحت إشراف رئيس الحكومة ».
وأفاد المتحدث ذاته أن الحاصل هو أن « بلاغ وزير الخارجية كتب بلغة الرئيس إلى المرؤوس، ولم تحترم فيه شكليات التحرير الإداري، ثم الأعراف الإدارية، مبرزا أن الملاحظات الشكلية يؤكدها « المضمون، واللغة، التي كتب بها، إذ تضمن توجيهات لرئيس الحكومة ».
كما اعتبر اليونسي أن المراسلة « تسيء إلى الدستور، ومؤسسة رئاسة الحكومة، لأن رئيس الحكومة هو ثاني شخصية في نظامنا السياسي، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وزير في حكومة يرأسها رئيس الحكومة، ويشتغل تحت إشرافه، وهذا يخالف منطوق، وروح الدستور ».
وشدد اليونسي على أن رئاسة الحكومة « لديها مركز دستوري، وقانوني واضح، لا بد أن تحترم الرسالة السقف الدستوري، ومنطق المؤسسات »، لافتا الانتباه إلى أن حسن النية قد يكون حاضرا بالنسبة إلى وزير الخارجية، نظرا إلى أهمية الموضوع، وخطورته في المراسلة، لكن « في مثل هذه الأمور لا تسعفنا حسن النية، وهذا يعكس الجو السياسي القائم في البلاد، وهو أن المنتخب دوره التنفيذ وليس التفكير والتقرير »، وفق تعبيره.