حياتي مع طالبان.. الملا: تلقينا 36 اعتراضا ورغم ذلك حطمنا تماثيل بوذا- الحلقة 32

29 سبتمبر 2020 - 07:30

الملا عبد السلام ضعيف، رجل من رجالات الصف الأول في أفغانستان، وأحد الذين شاركوا في المفاوضات التي أددت إلى نشوء حركة طالبان، كان صوتا إعلاميا للزعيم الروحي لهذه الحركة الملا محمد عمر. مذكرات كتبها ضعيف بيده، وقال فيها كل شيء، باح بما له وما عليه: نشأته ودراسته في المدارس الدينية، ودوره في صد الحرب السوفياتية على أفغانستان. كشف خفايا علاقته بطالبان ما خبره من مفاوضات سرية وعلنية، داخلية وخارجية، وأسرار تقلبه في المناصب المتعددة التي تبوأها ومنها نائبٌ لوزير الدفاع ونائبٌ لوزير المناجم والصناعة. هنا في هذه المذكرات المثيرة، سيكشف الملا ضعيف، عن طبيعة العلاقة مع الأميركيين، وما يدور في ميدان المعارك، وخلف الكواليس السياسيّة من صفقات وأسرار. دوره منذ أحداث 11 شتنبر التي قلبت حياته وحياة بلده، وبعدها، حين كان صلة الوصل الوحيدة بين أفغانستان والعالم. قبل أن يصبح السجين رقم 306، في سجن غوانتانامو.

 إعداد: عادل الكرموسي

بدأت بتوكيل أشخاص داخل حكومة باكستان من شأنهم أن يعطونا معلومات عن خطط تلك المؤامرة. ومع أننا حققنا تقدما ملموسا. وتمكنا من توسيع شبكتنا من المخبرين في الحكومة ووزاراتها، فإننا لم نستطع تحديد أهداف الباكستان. وعمدت في السفارة إلى الاستغناء عن مجموعة موظفين، وأحللت محلهم أشخاصا لهم علاقات وثيقة بوكالة الاستخبارات الباكستانية، أملا أن اخفف من عزيمة قادة طالبان وكل من يتعامل معهم بهدف التواصل المباشر مع الاستخبارات الباكستانية والمخابرات المركزية فيخاف أولئك من أن تعلم سفارتي بخيانتهم بعدما تقربت من الاستخبارات الباكستانية. وتأكدنا من أن هؤلاء الأشخاص يعلمون أننا مطلعون على اتصالاتهم مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وأننا نرصد تحركاتهم.

وكانت وكالة الاستخبارات الباكستانية تصدر تصاريح وتراخيص تسمح  للسيارات بعبور الحدود إلى أفغانستان. ولكي تكون معرفة من يعبر الحدود تحت السيطرة. اتفقت مع وكالة الاستخبارات الباكستانية على وجوب أن يمر كل أفغاني بالسفارة أولا، مما يتيح لنا فرصة نسخ وثائقه وإرسالها إلى قندهار.

 فحين كانت المشكلات مع الباكستان تتفاقم يوما بعد يوم، واجهت أفغانستان آخر أزمة دبلوماسية، عندما أمر مولوي عبد الولي، وزير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  بتحطيم التماثيل القديمة والشهيره لبوذا في باميان، محولا إياها إلى روكام، تحت أنظار العالم، وقد عارضت الحدث وفود ودبلوماسيون من جميع أنحاء العالم فجردوا حملة ضد أفغانستان بعدما تسرف إليهم خبر التحطيم. وأرسلت منظمة اليونسكو، وهيئة الأمم المتحدة المسؤولة حفظ المعالم التاريخية  36 رسالة اعتراض.

 وكانت الصين واليابان وسيري لانكا، البعثات الدبلوماسية الأكثر نشاطا. إذ طلبت الصين وقف الاستعدادات لتحطيم التماثيل فورا. واقترحت سيري لانكا أن تنقل التماثيل من أفغانستان لإصلاحها. وقد زارني في إسلام آباد الزعيم الديني للطائفة البوذية في سيري لانكا، طالبا إلي السفر إلى أفغانستان ولكني رفضت طلبه. أما اليابان فتكبدت العناء الأكبر وقدمت اقتراحين، بعدما أرسلت الحكومة اليابانية إلى الباكستان وفدا برئاسة رئيس الوزراء الياباني ووزير الشؤون الثقافية، بالإضافة إلى ستة وزراء وكانت اقتراحاتهم مماثلة لاقتراحات سيري لانكا. فك التماثيل قطعة قطعة، ونقلها إلى اليابان ليعاد تجميعها. أما الاقتراح الثاني، فكان تغطية التماثيل بكاملها، بطريقة يتعذر على أي أحد أن يعرف أنها كانت هناك يوما.

 كما قدمت اليابان المال، واقترحت أن تنظر حركة طالبان بالاقتراح، وعرضت أن تدفع ثمن التماثيل إذا قبلت حركة طالبان خطتها. واستمر الاجتماع مع الوفد الياباني لمده ساعتين أو ثلاث ساعات. وشدد اليابانيون على أن الأفغان هم أجداد ديانتهم، لذلك يتوقعون منا الحفاظ على الآثار التاريخية والدينية ولكنني علقت على سذاجة رأيهم المستغرب، لمجرد التفكير بأن الأفغان أسسوا البوذية. ووضحت لهم أن الأفغان قد تطوروا، وأدركوا أن البوذية دين باطل ودون أي أساس، واتبعوا ضوء الإسلام. وبما أنهم تبعونا سابقا، فلم لم يتبعونا عندما وجدنا الدين الحقيقي. وفضلا عن ذلك، فإن تماثيل بوذا منحوتة من الحجر بأيدي بشر وليس لها أي قيمة حقيقية، فلما هم حريصون على حفظها؟ لم تعجبهم أسئلتي، وأشاروا إلى أن الكعبة في مكة المكرمة صنعتها أياد بشرية من الحجر وليس الله من بناها ومع ذلك يقصدها ملايين الحجاج المسلمين كل عام. لم أجادلهم طويلا ولكنني وعدتهم بين أقدم اقتراحاتهم إلى السلطات الأفغانية.

كان توقيت تحطيم الآثار حرجا وصعبا علي. إذ لم يكن باستطاعتي فعل أي شيء لإرضاء الوفد. بل إن تفجير التماثيل قد رفع توتر علاقات أفغانستان الخارجية. ولم يكن لي أي دور في القرار المتعلق بالتماثيل، ولم يستشرني احد على الرغم من أني كنت مقتنعا بأن تحطيم التماثيل جزء من تطبيق الشريعة. فإنني اعتبرت مسألة التماثيل أكثر من مسألة دينية وأن تحطيمها لم يكن ضروريا، وأن توقيته سيئ. ولكن حال ما حطمت التماثيل عانت الإمارة من خسارة كبيرة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي