بلال التليدي يكتب: كورونا ومحدودية الخيارات

14 أغسطس 2020 - 20:29

الأرقام التي وصل إليها المغرب بخصوص المصابين بكورونا أضحت مقلقة. وتطرح أسئلة عن الاستراتيجية المعتمدة في مواجهته، وهل كان المغرب وهو يستعد للتحلل التدريجي من فترى الحجر الصحي يقاد بمنطق سياسة صحية، أم باعتبارات اقتصادية واجتماعية وأمنية.

الواضح من خلال الخطاب التواصلي لوزارة الصحة، ولرئيس الحكومة، أيضا، أن الإعلان عن التحلل التدريجي من الحجر الصحي واعتماد سياسة المراحل، وتقسيم المغرب إلى مناطق بحسب الوضعية الوبائية، ونوع التخفيفات المناسبة لها، أن المحدد الرئيس كان هو المؤشرات الوبائية، وما يرتبط تحديدا بمعدل الانتشار، لكن  الأمر خرج عن هذا التأطير منذ أن بدأ المغرب يعدد خساراته الاقتصادية من جراء استمرار انتشار المرض،  والآثار المجتمعية، فضلا عن تداعياتها السياسية والأمنية، ولوحظ بأن الإجراءات الصارمة التي جرى إقرارها لعودة الدورة الاقتصادية كانت مجرد ورقة تجسير المرور من الحجر الصحي للوضع العادي، وأن المتابعة لتنفيذها لن تكن بالجدية، أو أن شروط تحققها مع استمرار النشاط الاقتصادي كان متعذرا، أو أن قدرة السلطة على المتابعة كانت محدودة، أو أن السلطة لم تعد تستطيع تحمل الضغط الذي يشكله المتضررون من الفاعلين في الدورة الاقتصادية.

الخطاب الذي أديرت به سياسة مواجهة الجائحة تغير، فقد اعتمد في البدء سياسة التخويف من الداء، وهي سياسة على ما يبدو لم تكن ذات خصوصية، فالمغرب فيها كان تابعا كما بقية الدول لسياسة المنظمة العالمية للصحة، ثم تحول الخطاب إلى تواصل إرشادي يضع أطر الصحة وخبراءها في الواجهة التثقيفية، لتعزز حالة الطوارئ البعد الضبطي للمجتمع.

نجحت هذه السياسة في فترة الحجر الصحي، لكن، تبين بعدها أن الدولة كانت تسابق الزمن من أجل ضبط إيقاع مؤشرات الجائحة مع ممكناتها الاقتصادية لمواجهة كلفته، وأنه كما كان هناك ضغط مجتمعي للتحلل من الحجر، كان هناك ضغط من الفاعلين الاقتصاديين، وكانت هناك حاجة للدولة للخروج من هذه الوضعية بسبب عدم قدرتها على مسايرة متطلبات الحجر.

لم يعد المغرب يحمل الخطاب الذي تبنته إيطاليا من أن الشعب تحمل زمن الحربين العالميتين من أجل إيطاليا، وأن إيطاليا لا تبالي إن سقطت من أجل صحة الشعب. لم يتخفف خطاب أولوية السلامة الصحية، ولكن دخل معه خطاب يخفف من أولويته ضمنا، خطاب الكلفة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية والسياسية والأمنية.

والواقع أن الخيارات التي كانت للمغرب محدودة، ففي البدء كان يخشى أن تكون قدرة المرض على الانتشار أكثر من قدرة المنظومة الصحية، وكان من الطبيعي أن يخشى بعد ذلك أن تكون قدرة الانتشار أكثر من قدرة الاقتصاد والمجتمع على الصمود. لعبة توازنات لايزال المغرب إلى الآن يديرها، بقدر من الضيق في الخيارات، مؤملا ألا تصل الوضعية الوبائية إلى درجة إرباك قواعدها، وحين يحس بأن بعض هذه القواعد بدأت تتهدد يحاول تفعيل الأداة الزجرية والإمكان السلطوي.

صحيح أن بعض القرارات لم تكن مدروسة، أو كانت لها تداعيات سلبية، مثل السماح بإقامة شعيرة عيد الأضحى، والارتباك في تدبير موضوع سفر المواطنين، لكن المشكلة لم تكن في جوهرها دينية، فقد تداخل فيها إلى جانب المعامل الديني، البعد الاقتصادي، والبعد النفسي الاجتماعي، فالسلطة بدأت تستشعر مخاطر عدم ترك مساحات ولو محدودة للتنفيس النفسي والاجتماعي، فقد أثبتت تظاهرة طنجة احتجاجا على قرارات تتعلق بتوقيت إقفال المحلات التجارية، أن الحاجة للتنفيس ضرورية، وأن قدرة المجتمع على التحمل  لم تعد في مستوياتها الأولى، وأن عدم وجود فسحة للتنفيس، يمكن أن يربك قواعد تدبير لعبة التوازنات.  البعض يلقي بالمسؤولية على السلطة، ويرى أنها تساهلت مع المقاولات الصناعية وأن منها انتشر الداء في المجتمع، وهو أمر طبيعي لأن استثناء هذه الوحدات من الحجر يعني أن شروط منع نقل العدوى بها كانت أقل، مما التي كانت في بيوتات المجتمع. والأمر في تقديري لا يرجع إلى هذا التفسير الجزئي، وإنما يعود إلى القواعد التي تدير لعبة التوازنات، ومحدودية الخيارات المتوفرة، رغم محاولة التحييد النسبي لمعامل الخارج وجعله خارج وقاعد إرباك المعادلة. السياسة الصحية ليست وحدها هي الحل، والخطاب الإرشادي هو الآخر ليس هو الحل، والإمكانات السلطوية لن تبقى دائما بالفاعلية عينها، محصنة من الإرهاق والإنهاك، وخيارات إقفال الوحدات الصناعية غير متحملة، حتى ولم جرى اللجوء إليها جزئيا لمدد زمنية ضيقة.

الخيار الممكن اليوم، هو التعايش، مع إضافة جهد أكبر في الاستثمار الصحي لتعزيز قدرة المنظومة الصحية، وإحداث توازن في المستشفيات في العرض الصحي، وعدم جعل مواجهة كورونا في كفة أثقل من كفة مختلف العمليات الصحية التي تستجيب للطلب الصحي، فالتضحية بالمرضى الذين يعانون أمراضا مختلفة بحجة التفرع لمواجهة كورونا، يمكن أن يكون سببا في انتشار كورونا، وفي مضاعفة عدد الوفيات الناتجة عن الحالات الحرجة التي لا تستطيع تحمل مضاعفات داء كورونا. 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي