الوكيلي: لن نفهم استمرار تفشي الوباء بالمعطيات الصحية وحدها

18 يونيو 2020 - 21:00

 كيف تنظر إلى الإجراءات الجديدة في الطوارئ الصحية، خاصة التقسيم إلى منطقتين؟

*** تنتمي هذه الإجراءات إلى المرحلة الرابعة من الطوارئ الصحية؛ في 19 مارس الإعلان عن الطوارئ، وعن التمديد الأول يوم 21 أبريل، ثم التمديد الثاني في 21 ماي، والتمديد الثالث في 11 يونيو. بمعنى أن هناك إعلانا أولا، ثم ثلاثة تمديدات. وهي تمديدات مؤسسة بالدرجة الأولى على مراقبة الحالة الوبائية التي يقوم بها ما سُمي بـ»المنظومة الوطنية للترصد الوبائي». كان المرجع الأساسي للإعلان في 19 مارس، والتمديد الأول والتمديد الثاني هو ما يسجل من إصابات على الصعيد الوطني، ونتذكر أن وزير الصحة في تصريحه يوم 8 ماي رهَن تخفيف الحجر بانخفاض الحالات الجديدة وهبوط مؤشر تولد الفيروس لأدنى مستوى واستقراره طيلة فترة معينة. لكن في هذا التمديد الثالث، الذي يسمى في إطار أدبيات الصحة العامة بمرحلة التعافي (التي تأتي بعد مرحلة الاستجابة) وبعدما سجل انخفاض لمعدل انتشار العدوى (عدد الأشخاص الذين تنتقل إليهم العدوى من مصاب واحد- (R0)-) جرى الأخذ بعين الاعتبار الوضع الوبائي على صعيد الجهات والعمالات. لذلك كان من غير العقلاني الاستمرار في تطبيق الطوارئ الصحية في كل التراب الوطني بنفس التدابير.

كيف تفسر ذلك؟

في بداية ماي، قبيل التمديد الثاني، تعالت أصوات بتخفيف إجراءات الطوارئ في الجهات التي تخلو من إصابات لكن خاب ظنهم. الآن، في هذا التمديد الثالث، الدولة مثلما تستمع إلى الخطاب الطبي الذي تنتجه المنظمة العالمية للصحة ووزارة الصحة عبر معطيات «المنظومة الوطنية للترصد الوبائي» (مجسدا في معدل انتشار العدوى) وتُحوله وتُترجمه إلى سياسة عمومية بهدف «الحفاظ على الصحة العامة»، تستمع إلى الخطاب الاجتماعي الذي ينتجه فاعلون متعددون في وسائل التواصل الاجتماعي وتأخذه بعين الاعتبار في قرارها بهدف «الحفاظ على الأمن العام». وهذه هي المعادلة الصعبة التي تسعى الدولة إلى تحقيقها في مثل هذه الظروف: الصحة والأمن. فالمصالح المختصة تقوم بعملية معقدة لتقييم المخاطر ليس على الصعيد الصحي فحسب، بل والأمني والاقتصادي والاجتماعي كذلك، الوباء ظاهرة كلية. من الصعب أن تقنع ساكنة العمالات التي انخفض فيها معدل الانتشار بالإغلاق والحجر الصحي الإجباري. الأمر قد ينتج مشكلات أمنية، خاصة إذا أضفنا الأضرار الاقتصادية التي عانوا منها.

ما هي برأيك العوامل المحددة للتقسيم إلى منطقتين؟

طبعا، المحدد للتقسيم هو معدل انتشار العدوى حسب معطيات المراقبة الوبائية، كما قلت سابقا، ولكن ما هي العوامل التي أدت إلى انخفاض هذا المعدل؟ من السابق لأوانه الآن التعرف على مختلف العوامل المتدخلة في الحالة الوبائية لكل عمالة وطرق انتقال العدوى، ما نعرفه أن الأجساد ومتعلقاتها هي التي تحمل العدوى. إذ من شأن سلوك فردي شارد واحد أن يصبح تهديدا جماعيا، ثم يستمر مسلسل العدوى بشكل معقد للغاية. لذلك بعد مرور هذه الأزمة وأخذ مسافة كافية من الحدث وتوفر المعطيات الكاملة من طرف المصالح الصحية وكيفية إنتاج القرار داخل المؤسسات المعنية يمكن أن نفهم بشكل أفضل الحركة الاجتماعية للوباء من جهة أولى، ومختلف آليات السياسة الحيوية للمكافحة من جهة أخرى، حينها يمكن أن نفهم بوضوح هذا التصنيف إلى منطقتين، وتقييمه أيضا. نحن اليوم أمام «مناطق جهل» (Areas of Ignorance) كما يسميها الأنثروبولوجي البريطاني بول ريتشاردز الذي درس الانتشار الاجتماعي لوباء إبولا في سيراليون عام 2014. والعلوم الاجتماعية لم تصل بعدُ إلى الموعد، فضلا عن العلوم أخرى، بالأمس صرح المدير العام للمنظمة العالمية للصحة أن هذا الوباء علمنا التواضع وأثبت أننا مازلنا نتعلم.

ما تقييمك لانتشار الوباء بين المناطق الحضرية والقروية؟

الملاحظة العامة أن المنطقة 2 تمتد أغلبها على الشريط الساحلي من الجديدة إلى طنجة، بالإضافة إلى مراكش وفاس والحاجب. وهي تمثل، 39 في المائة من عدد السكان، و10 في المائة من تراب المملكة، وكلها، مع تفاوتات، مدن تعرف حركية اقتصادية وكثافة سكانية جعلت من الصعب التحكم في معدل انتشار العدوى. عموما، كلما اتجهنا نحو المجالات الحضرية الأكثر نشاطا اقتصاديا نسجل معدل انتشار أكبر للعدوى، مثل وجود بؤر صناعية، وبالتالي تحفظا أكبر من الدولة على تخفيف تدابير الطوارئ، هذا دون أن ننسى أن 87 في المائة من الإصابات المسجلة منذ بداية الوباء كانت في هذه المناطق، واحتمال حدوث انتكاسات فيها وارد في ظل شراسة الفيروس.

هناك استثناءات، مثل أكادير أو مكناس أو تطوان، تخرج عن الانتظام المفترض لخصائص المنطقة 1، ولكنها تؤكد في الوقت عينه هذه الملاحظة، فتقلص النشاط الاقتصادي فيها إلى «حد ما» خلال هذه الفترة عامل ساهم في انخفاض معدل انتشار العدوى. وعند هذا الحد، نحتاج إلى إدماج عوامل أخرى في التفسير لأنه حتى في بعض مناطق 2 تقلص النشاط الاقتصادي ومع ذلك لم ينخفض معدل انشار العدوى، وبالتالي لم يتم تخفيف التدابير فيها. أعتقد أننا نحتاج إلى تفسير كل عمالة على حدة بعد توفر المعطيات الكمية الكافية، مثل: القدرات الاستشفائية (ارتفاع الاختبارات ومراكز الفحوصات، البروتوكولات العلاجية، نسبة شغل أسِرة العناية المركزة… إلخ)، والنوعية أيضا، مثل: أنماط السلوك الوقائي السائد ودرجات تجذره في الثقافة المحلية (الكمامة والتباعد الجسدي والنظافة الجسدية)، ونوع البنيات والعلاقات الاجتماعية، وما يسميه أيضا بول ريتشادز بـ»التأقلم مع الخطر والتعلم المحلي»، وربما حتى طبيعة التحمل المناعي لدى ساكنة كل منطقة. ولا ينبغي أن ننسى أن هذه جائحة عالمية وما تقوم به المنظمة العالمية للصحة من تنسيق عالمي للاستجابة، وما يجري في الدول الأخرى من رفع للطوارئ، كله يؤثر بشكل من الأشكال على القرار الوطني. يظل محدودا التفسير بعامل واحد شامل لكل المناطق. لذلك تظل كل هذه العوامل وغيرها ممكنة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي