هذه تفاصيل فكرة كراء خزانات «لاسامير» التي قد تضيع فائدتها بسبب التماطل

07 يونيو 2020 - 08:00

في منتصف ماي الماضي أُعلن رسميا عن قرار كراء صهاريج مصفاة لاسامير للاستفادة من تهاوي أسعار المواد البترولية في السوق الدولي التي تراجعت إلى حدود 20 دولارا. ومع حرص الحكومة على عدم الظهور في الواجهة بسبب الدعاوى القضائية المرفوعة ضدها في محاكم واشنطن، تقرر أن تجري العملية عن طريق المكتب الوطني للهيدروكاربونات والمعادن.. لكن بين الاقتناع بالفكرة وتفعيلها ضيعت الحكومة أزيد من شهرين في وقت عادت الأسعار إلى الانتعاش طيلة شهري أبريل وماي، وهي اليوم تزيد بقليل عن 40 دولارا للبرميل ومرشحة لمزيد من الارتفاع.

 

الخميس 14 ماي الماضي، المحكمة التجارية بمدينة الدار البيضاء تقبل طلبا تقدمت به الدولة لاستغلال صهاريج شركة “لاسامير” في عملية تخزين المواد البترولية، وهو الطلب الذي تكلف بوضعه الوكيل القضائي للمملكة، لتنطلق معه كثير من التساؤلات حول الجدوى من قرار مماثل، وما يمكن أن تربحه الدولة منه، وأساسا كيف سيتم تصريف هذا القرار الذي يرتبط بواحد من الملفات الشائكة التي تراوح مكانها في المحكمة التجارية منذ 5 سنوات.

الغموض الذي امتد على مدار أسبوعين بعد إعلان نية الحكومة رسميا بكراء صهاريج مصفاة لاسامير سيحاول عزيز الرباح، وزير الطاقة والمعادن، إنهاءه ببلاغ صادر عن وزارته يتضمن تفاصيل جديدة أهمها “منح تفويض استغلال هذه الصهاريج للمكتب الوطني للهيدروكاربونات والمعادن، والذي سيباشر إجراءات الكراء والقيام بجميع العمليات الخاصة بتوريد وتخزين المواد البترولية والمرتبطة بهذا الاستغلال المؤقت”.

بلاغ وزارة الطاقة والمعادن كشف، أيضا، أن “عقد الكراء سيقرر ثمنه على أساس الثمن المرجعي المحدد دوليا لكراء المنشآت المماثلة، مع اعتبار العقد مفسوخا بقوة القانون في حالة التفويت أو التسيير الحر لشركة لاسامير”..

الكراء.. فكرة من؟

على امتداد الأسابيع الأولى لبدء تفشي جائحة كوفيد 19 في عدد من بلدان العالم، وضمنها المغرب، ظل جزء كبير من المغاربة يتتبعون، بشكل غير مسبوق، تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية ما فتح باب النقاش في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام عن إمكانية استفادة المملكة من هذا الأمر لصالح تراجع الأسعار المعتمدة محليا، والتي بلغت في الأشهر الأخيرة مستويات عالية تضررت معها جيوب المستهلكين..

وإلى جانب النقاشات المفتوحة للمواطنين، كانت هناك جهات أخرى ترصد هذه التطورات في الأسواق الدولية، وتبحث بدورها عن وسيلة للاستفادة من هذا التراجع الدراماتيكي للأسعار، في وقت لم يكن أحد يعلم كم سيطول الوضع؟ ولا كيف ستتعامل معه الأسواق المصدرة، في ظل غياب أي حسم في منحى تطور جائحة فيروس كوفيد 19 التي سببت اختلالات عميقة في الاقتصادات العالمية.

يقول مصدر اشتغل عن قرب على الملف في تصريح لـ “أخبار اليوم”: “فكرة استغلال صهاريج مصفاة “لاسامير” التي خرجت إلى العلن منتصف ماي مباشرة بعد وضع الطلب أمام المحكمة التجارية، ظهرت في وقت مبكر وتحديدا في بداية شهر أبريل بعدما بدأ يتأكد المنحى التنازلي لأسعار البترول في جميع الأسواق المنتجة للبترول”.

المصدر ذاته أضاف: “على العكس مما قد يعتقد البعض فالقرار لم يكن مصدره لا وزارة الطاقة ولا حتى رئاسة الحكومة، بل خرج من ردهات وزارتي الداخلية والمالية اللتين طلبتا تقريرا مستعجلا للتأكد من صلاحية الصهاريج لاستقبال الكميات التي سيتم استيرادها من الخارج، وهي العملية التي قامت بها لجنة تقنية، قبل أن يُرفع الأمر إلى الحكومة التي تبنت الفكرة وأعطت موافقتها بتكليف الوكيل القضائي للمملكة بمباشرة إجراءات وضع الطلب بين يدي القاضي المنتدب بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء، وهو الطلب الذي حصل على الموافقة في ظرف يومين فقط”.

بعد موافقة الحكومة على الفكرة، بالنظر إلى السعة الإجمالية للصهاريج التي تصل إلى مليوني متر مكعب، ما سيمكن من توفير مبالغ طائلة في حال استيراد المحروقات في وقت تهاوى سعر البرميل إلى قرابة 20 دولارا، انطلقت مشاورات ونقاشات موسعة بين عدد من الأطراف المتدخلة حول الطريقة التي سيتم سلكها لكراء الخزانات، وكان هناك حرص على عدم ظهور الحكومة في الواجهة بسبب الدعاوى القضائية المرفوعة ضدها في محاكم واشنطن، ليتقرر أن تجري عملية الكراء عن طريق مؤسسة عمومية، هي المكتب الوطني للهيدروكاربونات والمعادن، لكن بين الاقتناع بالفكرة والحسم في طريقة إخراجها  ضيعت الحكومة أزيد من شهر ونصف في وقت عادت الأسواق للانتعاش وبدأت الأسعار ترتفع يوما عن يوم طيلة شهري أبريل وماي.

يقول مصدر “أخبار اليوم” بهذا الخصوص: “للأسف، تأخرت الحكومة كثيرا في الحسم في الفكرة وتفعيلها، حتى أن قرار تكليف المكتب الوطني للهيدروكاربونات والمعادن اتخذ قبل أزيد من 15 يوما، في وقت كانت سعر البرميل في حدود 28 دولارا، لكن إلى حدود الآن هناك تماطلا، فباستثناء ما تناقلته وسائل الإعلام من تصريحات متفرقة لمسؤولين ضمنهم وزير الطاقة والمعادن، لا يملك السانديك المكلف بملف “لاسامير” أي قرار رسمي يفيد بأن المكتب الوطني للهيدروكاربونات والمعادن سيكتري الصهاريج، مع ما يستتبع ذلك من تأدية واجبات الكراء، فضلا عن ضرورة حصوله على الرخص التي تخوله استيراد البترول وهو ما يفترض أن تقوم به مصالح وزارة الطاقة بشكل مستعجل”.

عملية مربحة وقرار سياسي..

بعملية حسابية بسيطة، كان بإمكان الحكومة في حال سرَّعت إجراءات استيراد الكميات المطلوبة لملء صهاريج مصفاة لاسامير أن تربح مبالغ مالية كبيرة، يقول مصدرنا، لكن الأهم من هذا كله “فالأمر يتعلق بتأمين مخزون استراتيجي لم يُحترم أبدا، رغم أن هناك قانونا يلزم بتوفر 60 يوما، وهو ما وقف عليه قضاة المجلس الأعلى للحسابات، حيث أشار التقرير الصادر بهذا الخصوص إلى تراجع المخزون الاستراتيجي إلى حوالي 24 يوما فقط. وهو ما يدل على عدم التزام شركات التوزيع بتوفير المخزون الاستراتيجي المطلوب، حيث تكتفي بتأمين مخزون اشتغال يتجدد بشكل مستمر”.

بهذا الخصوص يقول الحسين اليماني، منسق الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية لتكرير البترول: “إن نموذج تأمين الحاجيات الوطنية أبان فشله بعد أربع سنوات من تجريبه، وتأكد خطر الرهان عليه بعد تفشي فيروس كورونا، وهو ما نبهنا إليه في أكثر من مناسبة. وقلنا إن من مظاهر فشل هذا النموذج عدم الانضباط لشرط احترام مخزون 60 يوما للمواد الطاقية و30 يوما للنفط الخام كما يحدده القانون، وهو ما كان موضوع تقارير المجلس الأعلى الحسابات ومجلس المنافسة، وحتى وكالة الطاقة الدولية التي نبهت المغرب إلى هذا المشكل. ثم هناك ما يتعلق بالاختلالات التي تشهدها الأسعار، حيث يجمع الجميع على أنها أسعار فاحشة، تأكدت مع تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية. وطالما قلنا إن معدل الزيادة يتراوح بين 1 درهم و1.20 درهم عما كان عليه الحال قبل تحرير السوق، وبمعنى آخر فتأمين تزويد السوق يتم على حساب المستهلك والاقتصاد ومصلحة الدولة”.

ويرى كثيرون أن قرار الحكومة باستغلال صهاريج مصفاة “لاسامير” لتوفير مخزون استراتيجي للدولة، هو قرار صائب وخطوة جيدة إلى الأمام في ملف شائك يراوح مكانه، لكن الأهم من هذا أنه أعاد فتح النقاش حول مصير جوهرة الصناعة الوطنية التي تصارع مصيرها منذ 5 سنوات، ولم يعد أحد يجادل في أن الأمر يتعلق بقرار سياسي، وهو الكفيل بالحسم في مصير المصفاة وإمكانية عودة الدولة للعب دورها كما في السابق.

يقول الحسين اليماني معلقا على الأمر: “على الدولة أن تدخل دخول الفاتحين في هذا الملف، طالما أن المحكمة تعرض أصول شركة “لاسامير” للبيع دون أن تحدد لمن، هل للخواص أو لمجموعة شركات أو لمؤسسة عمومية؟.. وعوض الكراء من حق الدولة أن تتقدم بطلب الشراء كما هو مخول للعارضين الآخرين، علما أنها تمتلك أكثر من 60 كديون على الشركة وهو أمر لصالحها”.

اليماني أضاف: الحكومة كانت تتحجج بأن الملف معروض على القضاء، واليوم قبل القاضي طلب للحكومة لكراء الصهاريج، وفي إطار استقلالية القضاء لا شيء يمنع رئيس الحكومة من أن يتقدم بطلب شراء المصفاة، وكلنا تابع كيف تفاعلت الدولة بعد قرار خوصصة فندق المامونية، لا شيء يمنع من اعتماد النموذج عينه بالنسبة إلى مصفاة “لاسامير”.

من جهته، يرى المصدر الذي اشتغل ضمن فريق إعداد مقترح كراء صهاريج المصفاة: “تشغيل الخزانات هو أمر في مصلحة الدولة، وفي مصلحة المستهلكين، لأن هذا سيعطينا وضوحا عن الأسعار الحقيقية للغازوال والبنزين في الأسواق الدولية، ما سيفضح شركات التوزيع التي كانت تعتمد الغموض في هذا الجانب. لكن الأهم هو إعادة تشغيل المصفاة، والدولة بإمكانها لعب دور مهم في هذا الجانب، على اعتبار أنها أكبر مدين للشركة المالكة عبر إدارة الجمارك والبنك الشعبي، وقد يتم الأمر عبر “كونصورسيوم” يضم شركات وطنية”.

“وحتى في حال تعذر هذا الأمر، لأي سبب من الأسباب، بإمكان الدولة تمكين المكتب الوطني للهيدروكاربونات والمعادن من الموارد المالية والتقنية الضرورية لتشغيل المصفاة، ولو بشكل مؤقت في انتظار تفويتها، وهو ما سيرفع قيمتها، بدل تركها في وضعية توقف تضيع معها ملايير الدراهم من قيمتها كل يوم، رغم أنها تخضع لصيانة دورية يقوم بها تقنيو ومهندسو الشركة المغاربة بمساعدة خبراء أجانب باستعمال أفضل التقنيات المعتمدة على الصعيد العالمي”، يختم المصدر.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

محمد منذ 3 سنوات

لماذا لا نمكن الشعب المغربي من شراء المصفات عبر الاكتتاب وبذلك تصبح ملكا لكل المغاربة الذين ساهمواةفي شرائها مع وضع بند بعدم السماح ببيعها مرة اخرى

التالي