يونس مسكين يكتب: بعد كورونا.. الدولة أم المخزن؟

13 أبريل 2020 - 18:00

حاز سلوك الدولة، بمناسبة تدبير المعركة الوطنية ضد جائحة كورونا، إجماعا غير مسبوق، وذلك لما أبان عنه من حزم وفعالية ونجاح مرحلي في منع وقوع الأسوأ. أكثر الأطراف راديكالية وتطرفا في المعارضة حرصت على إعلان اصطفافها إلى جانب الدولة ودعم قراراتها، وبدا التنافس السياسي وقد جمّد إلى أجل غير مسمى، إلا تنافس واحد يبدي إصرارا متصاعدا على الحضور، بين منظورين متناقضين، حول الحساب الذي سـ«يرسمل» هذا النجاح الذي يلوح في الأفق، حساب «الدولة» أم «المخزن».

بدأ هذا النقاش خافتا في البداية، كأني به كان تلقائيا ويعكس ذهنيتين متناقضتين تتعايشان داخل المجتمع، قبل أن يصبح أفكارا تتقاسمها النخب أو أجندات سياسية لهذا الطرف أو ذاك. وتصاعد النقاش من خلال الشبكات الاجتماعية بين تصوّرين متناقضين؛ أول يعلي من أهمية القانون والمؤسسات والنظم العصرية لتنظيم الحياة داخل المجتمعات، وثان لم يكن يستعمل كلمة «المخزن» دون أن يقصد بها حمولة تقليدانية تتجاوز الإطار الدستوري والمؤسساتي، إلى تلك السلطة الشاملة والمطلقة التي ينبغي للجميع أن ينقاد لها، خاصة أنها أبانت عن فعاليتها في مواجهة كورونا.

وقد فاجأت الخبيرة الإعلامية، شامة درشول، الرأي العام خلال مشاركتها في حلقة برنامج «مباشرة معكم» الأخيرة التي بثتها القناة الثانية، حين تفوّهت بما تلوكه الكثير من الألسن دون أن تنطق به، وراحت تتحدث طيلة تدخلها عن «المخزن» بدل العبارات البديلة التي توظف عادة. وغداة بث هذا البرنامج، عادت هذه الخبيرة لتكشف، عبر حسابها في «فايسبوك»، أنها تلقت رسائل تسجّل لها هذه الجرأة في الحديث السافر عن المخزن.

«لم أقم بأي موقف بطولي في حديثي عن المخزن، فقط نحن الإعلاميون والمواطنون نمارس رقابة ذاتية مبالغا فيها، وننسى أن المخزن ليس بالضرورة له فقط آذان «تتجسس علينا»، وأعين تراقبنا، بل هو أيضا يحتاج إلى أن يسمعنا، وحين تصر على أن تطبل له فقط، فلا تنتظر منه أن يفهم أنك تطبل له لأنك خائف منه»، تقول شامة، مضيفة أن «علينا، نحن الإعلاميين، التخلص من عقدة تفادي تسمية الأسماء بمسمياتها، ونعتها دائما بالمرموز: العفاريت، التماسيح، التحكم، لفوق، عندو شي حد، لخوت، صحاب لحال… نحن شعب يعيش في دولة، وليس في محكمة الجن».

لكن، هل المخزن هو مجرّد اسم محلي للدولة؟ الجواب بالنسبة إلى الحقوقي عزيز إدامين، وهو على غرار شامة درشول يتميّز بتلك القدرة على الجمع بين الخبرة والالتقاط الذكي، جاء بالنفي، واختار أن يعنون مقالا مطولا حول الموضوع بـ«حرروا أعناق الدولة من القيود المخزنية». إدامين قال إن الدولة في مفهومها الحديث «هي رزمة من المؤسسات والتشريعات التي تستعمل الآليات والأدوات العصرية المتوافق عليها من أجل خدمة الصالح العام، وتحقيق رفاهية المجتمع ككل، دون تمييز أو تفاضل»، في حين أن «المخزن» هو «كتلة من الطقوس والممارسات والدهنيات والتمثلات التي تسعى، أولا وأخيرا، إلى الحفاظ على شبكة المصالح والعلاقات وامتيازات فئات مغلقة (أورليغارشية) سياسية أو اقتصادية أو أمنية».

وفي الوقت الذي نتابع فيه كيف جاءت القرارات الأساسية الخاصة بتدبير حالة الطوارئ الصحية محاطة بحرص أرثوذوكسي على تجنّب إعمال المقتضيات الدستورية التي تسمح بإعلان حالة الاستثناء أو حالة الحصار؛ نجد أنه، وعلى غرار لحظات الانفتاح الاستثنائية التي عاشها المغاربة في العقدين الماضيين، والتي تتسم بميل ملكي إلى خيارات تحديثية، برزت بشكل مبكر تلك الدينامية التي تعكس ميولا محافظة تشهر ورقة «المخزن»، بما يحمله من تمثل تقليدي للدولة واستبعاد أطراف ومكونات، حزبية ومؤسساتية، لا تنحدر من «صلب» المخزن.

وتكمن أهمية هذا النقاش حول معنى الدولة، في ما قال الخبير الاقتصادي، نور الدين العوفي، إنه واحد من دروس أزمة كورونا التي علينا استيعابها، أي إعادة الاعتبار إلى أدوار الدولة. وقال العوفي، في تصريحه ضمن ملف قيّم خصصته الزميلة «تيل كيل عربي» لآراء كوكبة من الخبراء والأكاديميين حول هذه المرحلة، إن أدوار الدولة كانت قد تراجعت قليلا بفعل السياسات الاقتصادية التي تطبق على المستوى الدولي وطبقها المغرب، فيما يحتاج السوق والقطاع الخاص نفسه إلى بناء من لدن الدولة، عن طريق الضبط ووضع قواعد اشتغال السوق بما يحقق في الوقت نفسه مصلحة القطاع الخاص والتنمية.

السوسيولوجي وعضو لجنة شكيب بنموسى الخاصة بالنموذج التنموي، والذي كان أيضا عضوا في لجنة المنوني لإعداد دستور 2011، محمد الطوزي، قال، في الملف نفسه، إن قضية تموقع الدولة الوطنية داخل المنظومة العالمية هي أيضا موضوع مساءلة في ظل جائحة كورونا، مؤكدا أهمية الرابط الاجتماعي، «وما يؤسس الرابط الاجتماعي هو علاقة الحاكم والمحكوم في إطار علاقة «رعاية»، وليس علاقة «رعوية» في علاقة بكلمة «رعية»، لأن المسألة الأساسية هي أن الخدمات الاجتماعية هي التي تؤسس هذه العلاقة، وليست الإيديولوجيات أو شيء آخر».

وفي الوقت الذي يحاول فيه البعض إحياء الجانب التقليدي في الدولة لكبح أي تطلع نحو انتقال ديمقراطي حقيقي، يذهب الطوزي إلى أن الدولة تستخدم بالفعل جانبها التقليدي هذا، لكن لمواجهة الوباء، معتبرا أن احتفاظ المجتمع بروابطه التقليدية هو الذي سمح لـ«المقدم» بتولي مهمة جسيمة، من قبيل توزيع رخص الخروج الاستثنائي من البيوت، أو توزيع الكمامات عبر شبكة توزيع الحليب… ليخلص إلى أن التأخر الذي يعانيه المغرب هو ما تحوّل إلى فرصة في الظروف الحالية، حيث خفّفت «العصبيات» الاجتماعية من عبء الدولة.

نلاحظ، إذن، أن «المخزن» قد يحمل معانيَ مختلفة، فيما الذي حقّق إجماع وتلاحم المغاربة بمختلف أطيافهم حين باغتهم الوباء دون أدنى خلاف، هو سلوك الدولة بمؤسساتها ودستورها وقوانينها. ومن كان يحبّ المغرب والمغاربة، سوف لن يرى في الأزمة الحالية من فرصة غير الدفع نحو تعزيز هذا الحضن الذي يضم المغاربة، بإكسابه شرعية إضافية، هي القطع مع التردد الذي دام أكثر من قرن، والقفز نحو سفينة العصر.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

moghrabi منذ 3 سنوات

يا سيدي الدولة هي المخزن و المخزن هو الدولة ، و ما مشكلة في هدا

التالي