بلال التليدي يكتب: هل أضحت الدولة منزعجة من الثقافة الريعية للأبناك؟

21 فبراير 2020 - 22:50

أعترف أني تورطت، ولو بشكل جزئي، في النقاش الذي أثاره رأي الدكتور الريسوني حول نسبة الفائدة التي جرى الاتفاق عليها لتمويل البنوك لمشاريع «البرنامج المندمج لدعم وتمويل المقاولات»، فهذا النقاش من حيث لا يدري صانعوه والمشاركون فيه، أسقطنا في فخ تزييف الوعي، والتغطية على قضية جوهرية كان من الأولى الالتفات إليها والتوقف عند دلالتها.

لنعيد تركيب الموضوع حتى تبرز لنا صورة هذه القضية، ولنتوقف على الخطاب الرسمي الذي واكب طرح هذه المشاريع، فالأمر يتعلق ببرنامج يرمي إلى تسهيل ولوج المقاولات إلى التمويل، اعتمد له مبلغ 6 ملايير درهم، تساهم الدولة بنصفه، والنصف الآخر يتولاه القطاع البنكي، وسيقدم صندوق الحسن الثاني، مساهمة تكميلية بمبلغ 2 مليار درهم، وستقدم البنوك قروضا تمويلية مضمونة من طرف الدولة بنسبة 2 في المائة بالنسبة إلى العالم الحضري و1.75 في المائة للعالم القروي.

ما لم يجر الالتفات إلى دلالته في الخطاب الرسمي، أن الأمر يتعلق بسابقة، إذ لم يسبق أن اضطر القطاع البنكي إلى تخفيض نسبة الفائدة إلى هذا السقف الواطئ.

وبدلا من أن نتوقف عند هذه السابقة، ونشرح دلالتها، للأسف الشديد سقط عقل الإسلاميين، في شراك المنطق الفقهي، وهل تخفيض هذه النسبة يجعل القرض يبتعد عن الربا ويقترب من القرض الحسن، أم إن القضية لم تغير في جوهر الحكم الشرعي شيئا مادام الربا محرما قليله أو كثيره.

لن نسقط مرة ثانية في فخ بحث حيثيات النازلة ومستندات كل فريق في التجويز والمنع، ولكننا سنمضي إلى جوهر المشكلة.

لنطرح السؤال أولا، ما الذي أقنع هذه الأبناك أخيرا أن تقبل بخفض سقف الفائدة إلى هذا الحد؟

الجواب بسيط وواضح، الدولة نزلت بثقلها للإقناع، والسبب: الاحتقان الاجتماعي، والحجة: الاستقرار. ومع ذلك، كان في تدخلها قدر كبير من البيداغوجية: لننتبه أن تخفيض سعر الفائدة كان مقابله ضمان الدولة للقروض.

ملخص القضية أن الدولة باتت مقتنعة أن الوضع يتجه نحو مآلات غير سارة، وأن الاحتقان لم يعد محصورا كما في السابق على المجال الحضري، بل التحولات التي يعيشها المغرب أصبحت تنذر باحتقانات اجتماعية حتى داخل العالم القروي، إن لم يجر التحرك بسرعة من أجل إحداث قدر من التوازن الاجتماعي.

لننتبه أن هذه الخطوة التي جرى وصفها بأنها غير مسبوقة، تعكس في الحقيقة حالة من القناعة لدى الدولة بأن القطاع البنكي يعيش دائما على إيقاع أرباحه، ولا يأبه لمتطلبات الاستقرار الاجتماعي، وأن استمرار هذا القطاع على نفس الحالة الريعية، التي تقوم على منطق الربح المضمون من غير المخاطرة في عالم الاستثمار، سيدفع نحو مزيد من هشاشة الاستقرار الاجتماعي، ولهذا الغرض، لجأت الدولة إلى الحل البيداغوجي مع القطاع البنكي، لجره بشكل من الأشكال إلى ترك منطقه الريعي ولو بشكل نسبي، ولعل هذا ما يفسر طبيعة المخرجات التي انتهت إليها مفاوضتها للقطاع البنكي: تخفيض نسبة الفائدة إلى أدنى مستوى عرفه هذا القطاع مقابل مع ضمانات الدولة للقروض.

لندقق في الأرقام جيدا، فحصة الأبناك من المخاطرة المحسوبة والمضمونة لا تتجاوز 3 مليار درهم، أي ما يفوق بشيء يسير نصف المساهمة التي ستقدمها الدولة إذا ما تم ضم مساهمة الحكومة إلى مساهمة صندوق الحسن الثاني، ولنتساءل ماذا تشكل حصة القطاع البنكي برمته إذا ما قارناها فقط بالأرباح التي يحققها، ففي نهاية شتنبر الماضي بلغت أرباح ثمانية بنوك مغربية رئيسة في السنة الماضية 10.5 ملياردرهم، وهذا يعني أن  حصتها في البرنامج ضئيلة ومحدودة جدا، وتشير إلى حالة التردد التي تسم سلوكها في تعاطيها مع مثل هذه المشاريع.

القضية الجوهرية التي كان ينبغي أن يتوجه إليها النقاش، هو أن تعديل النموذج التنموي لا يمكن أن يتم من غير تعديل العقلية الريعية للقطاع البنكي، فممارسات هذا القطاع، تبين أنه ليس شريكا في الاستثمار، وأنه غير معني بالتنمية المفضية إلى الاستقرار الاجتماعي، وإنما معني فقط، بتحصيل مزيد من الأرباح، وأنه هو القطاع الوحيد الذي تتزايد أرباحه في الوقت الذي يكسد الجميع، بل هو القطاع الذي يتغول في الوقت الذي يمكن للدولة فيه أن تتآكل.

الدولة قامت بدورها البيداغوجي، ونجحت في تحقيق نصف خطوة، لكن واجب المجتمع بكل قواه، أن ينخرط في نقاش واسع عن دور الأبناك، وكيفية تفكيك منطقها الريعي، وتحويلها إلى أبناك مخاطرة شريكة في الاستثمار والتنمية، بل نقاش غير تحرير المبادرة الحرة في هذا القطاع، ووضع حد ليهمين عوائل تقليدية عليه.  

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي