عادل بنحمزة يكتب: ليبيا وتكلفة غياب الاتحاد المغاربي

10 فبراير 2020 - 18:10

شكل مؤتمر برلين في الواقع مجرد لقاء لتنظيم التنافس ووضع قواعد للحد من الاشتباك بين مختلف القوى الدولية والإقليمية حول خيرات الشعب الليبي، وهذا يبدو واضحا بشكل كبير من خلال مراجعة البيان الختامي الذي أفرد مكانا مهما للنفط ومؤسسات النفط، وكل ما يتصل به، بما يفوق الاهتمام بالسلام في ليبيا وبأمان الشعب الليبي، الذي حمل المؤتمر مسؤوليته للأطراف الليبية وللأمم المتحدة، علما أن تلك الأطراف فشلت في كل المحاولات السابقة لإيجاد الحل وأن الأمم المتحدة لم تستطع أن تعطي بعدا إجرائيا للاتفاق السياسي الذي رعته في الصخيرات، بل لم تستطع أن تعطي المعنى اللازم للاعتراف الدولي بحكومة الوفاق الوطني، وهذا يعني أن أطراف النزاع والأمم المتحدة أثبتا إلى اليوم، عجزهما عن وضع حد لحالة الصراع، وأن مؤتمرا بحجم مؤتمر برلين كان يجب أن يقدم إضافة على هذا المستوى، لكنه لم يكن، كذلك، بكل تأكيد، بل إن الأطراف التي شاركت فيه لم تتردد في التراشق بالتهم فور انتهاء أشغاله.

مؤتمر برلين وحّد الدول المغاربية الثلاث، من حيث تغييبها عن لعب دور فعال، بالطبع هناك غياب التنسيق بين البلدان الثلاثة وغياب مبادرة مغاربية مشتركة بخصوص الوضع في بلد مغاربي مهم من حجم ليبيا، وهذا الغياب يرجع في جزء كبير منه إلى الموقف الجزائري من المغرب، بحيث عملت الجزائر دائما على تجنب العمل المشترك مع الرباط، في كل ما يتعلق بالتحديات التي تواجه المنطقة، نتذكر الجهود التي بُذلت فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء، إذ تعمدت الجزائر دائما عدم الجلوس إلى جانب المغرب. يشهد الواقع اليوم، وجود تنسيق بين الجزائر وتونس، هذا التنسيق حُمّل أكثر مما يحتمل، فهو أمر طبيعي بحكم أن البلدين لهما حدود مشتركة مع ليبيا، وهو أمر لا ينطبق على المغرب، لكن في كل الأحوال يمكن القول إن البلدان المغاربية الثلاثة من مصلحتها بحث صيغ للتنسيق وهذا هو الدعم الحقيقي للشرعية في ليبيا والشعب الليبي بصفة عامة، وفي واجهة هذا العمل المغاربي يبدو دور المغرب مهما، لماذا؟ لأن المغرب منذ بداية النزاع كان أرضا للقاء مختلف الفرقاء الليبيين سواء بشكل علني أو سري، وكان هناك اقتناع في الرباط منذ بداية الأزمة، أن الحل العسكري لن يؤدي سوى إلى تأزيم الوضع أكثر، وأن التدخل الخارجي لا يساهم سوى في تعميق الانقسام في الساحة الليبية، وهو انقسام له جذور تاريخية منذ عهد الملك السنوسي، فثنائية «طبرق ــ طرابلس» ليست جديدة في تاريخ ليبيا، وقد أكد المغرب من خلال أدائه الدبلوماسي أنه يستوعب جيدا هذه الحقيقة، وليس غريبا أن يحتضن في الصخيرات جهود الأمم المتحدة في إطار اتفاق سياسي لازال يحافظ على راهنيته وقابليته للتعديل والمراجعة بشكل ينسجم مع واقع القوة على الأرض سواء من جهة التحالف الملتف حول طرابلس أو ذلك التحالف الذي يقوده خليفة حفتر. لكل ذلك يمكن القول إن المغرب بصم على موقف مميز من النزاع في ليبيا، والدينامية التي عرفتها المشاورات بين المغرب ومختلف الفرقاء الليبيين في الأسبوع الأخير، تؤكد ذلك.

على عكس ما يعتقده البعض من أن المغرب يخشى التقارب الجزائري التونسي، فإن الواقع يشهد بأن قنوات الاتصال بين الرباط وتونس مفتوحة باستمرار، على عكس العلاقة مع الجزائر التي توجد في نفس مستوياتها السابقة، خاصة بعد كمون الحراك الشعبي في الجزائر، والذي كان من شأن استمراره، إحداث تغيير في رؤية النظام الجزائري للعلاقة مع المغرب، بينما التنسيق التونسي الجزائري فيما يتعلق بليبيا، فلا يتجاوز ما يفرضه موقع البلدين في علاقتهما بليبيا وما يستدعيه ذلك من تنسيق أمني وعسكري، مما لا ينطبق على المغرب، ورغم هذا الاختلاف في العلاقات بين البلدان الثلاثة، فإن هناك ثلاثة عناوين رئيسة لتطابق وجهة نظرها فيما يتعلق بالملف الليبي. أولا: اقتناعها بأنه لا يمكن حسم الصراع بالعنف، وأن الحل العسكري لا أفق له. ثانيا: تأييد حكومة طرابلس التي تعتبر الحكومة الشرعية بتأييد من الأمم المتحدة، وهذا دعم كبير بالطبع تحظى به حكومة السراج. ثالثا: رفض التدخل الأجنبي وتحويل ليبيا إلى فضاء للمواجهة بين القوى الإقليمية والدولية على حساب الشعب الليبي. أما الخلاف، فلا يرتبط سوى بطبيعة العلاقات المغربية الجزائرية وهذا الموضوع على كل حال لا دخل لما يجري في ليبيا فيه، لكنه يعبر عن حجم تكلفة غياب الاتحاد المغاربي.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي