غصن: اليابانيون فاجؤوني بالاعتقال وفاجأتهم بالهروب (حوار)

19 يناير 2020 - 20:00

سلطت الأضواء على النظام القضائي الياباني بعدما شن كارلوس غصن حملة قوية للدفاع عن نفسه في أول ظهور علني له منذ فراره إلى لبنان من طوكيو. وانتقد الرئيس السابق لتحالف رينو-نيسان-ميتسوبيشي كل ما يتعلق بالنظام القضائي الياباني انطلاقا من نسبة الإدانات المرتفعة وصولا إلى الظروف التي واجهها خلال فترة احتجازه قبل المحاكمة والتي امتدت 130 يوما. وبالنسبة للإدانات، يتفاخر ممثلو النيابة اليابانيون بنسبة ربحهم للقضايا، قد يحسدهم عليها أقرانهم حول العالم.

فهم يكسبون أكثر من 99% من القضايا في المحاكمات. وقال غصن إن هذه النسبة المذهلة هي دليل على أنه لم يكن سيحظى بمحاكمة نزيهة. ولا تنفي اليابان أن ممثلي النيابة يكسبون تقريبا جميع القضايا أثناء المحاكمات، لكنها تقول إن ذلك ببساطة هو دليل على أنهم لا يبدؤون الإجراءات القانونية إلا بعد تدقيق واسع.

 

كيف انتقلت من كونك شبه إله في عالم التسيير والأعمال إلى مجرم في اليابان؟

أدرت شركة نيسان ما بين 1999 و2016، وبعد ذلك شغلت منصب رئيس مجلس الإدارة. كان يقال في حقي أطيب الكلام في اليابان. كنت أمثل طريقة مغايرة في التدبير والتسيير. كانت طريقة جديدة، مقابل الطريقة اليابانية. وبين عشية وضحاها، تغير كل شيء رأسا على عقب. إذ بدأ المدعون العامون ومجموعة صغيرة في قيادة شركة نيسان يقولون العكس تماما. ذهلتُ حينها. في الحقيقة، لقد كنت أحظى بسمعة جيدة جدا هناك، وكان من الصعب عليهم التخلص مني دون ضرب صورتي أولا. لهذا، شرعوا في القول إنني ديكتاتور، وجشع… أنا رجل يملك قرارا، ولست ديكتاتورا.

يقال إن سنة 2017 كانت مفصلية بعدما ساءت نتائج نيسان. إذ، وفق روايتك، بدأت المؤامرة تحاك ضدك في تلك الفترة.

هذه هي السنة التي بدأتُ أقوم فيها بالمزيد من الضغط على الإدارة مطالبا بمخطط عمل بعد رصد تدهور النتائج. كان هذا واجبي. لكن، وقع نوع من الاحتكاك مع فريق الإدارة، لاسيما بينهيرو توسايكاوا (المدير الذي خلف غصن في نيسان) والإسباني خوسي همونيوز، الذي كان يرغب في تبني استراتيجية المواجهة أكثر في الولايات المتحدة، وهي الاستراتيجية التي كنت أقاسمه إياها.

إن كان الأمر كما تقول، لماذا يحاربونك إذن؟

لأنني كنت الحلقة الأضعف والأسهل. أنا أجنبي، ومعروف، ومن السهل تحميلي تبعات كل شيء.

بعد عقدين تقريبا في اليابان، من المفروض أنك تعرف مداخل ومخارج المقاولة والعدالة اليابانيتين.

لا. العدالة اليابانية نقطة سوداء في ذلك البلد. عندما كنت رئيس نيسان، سمعت قصصا غريبة، مثل قصة اعتقال نائبة رئيس شركة طويوطا، لأنها طلبت من والدتها شراء أدوية لها، وهذه الأدوية دخلت إلى البلد دون تصريح. بدا لي ذلك غريبا، لكن أحداثا وقعت أخيرا أكدت لي شكوكي. عندما حططت الرحال باليابان حدث انفتاح، وكانت هناك إرادة للتدويل. أما يابان اليوم فقد أصبحت أكثر انغلاقا وأكثر قومية، ووقع تحول جذري.

تقول إنك هربت من ظلم بلد حيث 99.4 في المائة من المتابعين يدانون. هل تعتقد 100 في المائة أنك ستبرأ في لبنان؟

ليس مؤكدا أنني سأحاكم في لبنان. لكن في لبنان وفرنسا والبرازيل هناك قوانين تسمح لك بالدفاع عن نفسك. ركز معي، أن ينتصر المدعون العامون في 99.4 من القضايا، فهذا يعني أن المحامين يخسرون 99.4 في المائة من الدعاوى. تقول وزيرة العدل إنه على غصن أن يثبت براءته في اليابان. هذا جرَّ عليها انتقاد كل محاميي العالم الذين ذكروها بأنه في نظام ديمقراطي توجد قرينة البراءة، وأن الذي يجب أن يثبت هو الإدانة.

ما الذي فكرت فيه عندما وطئت قدماك لبنان بعد الهروب؟

«انتهى الكابوس». تعرضت للكثير من الخيانات، رغم أنني رأيت أشخاصا صامدين وشجعانا وإنسانيين.

لماذا اخترت بالضبط يوم 30 دجنبر المنصرم للهروب وليس يوما آخرا؟

لأنها فترة استرخاء وترفيه واستجمام، يخرج فيها الناس في عطلة، للتزحلق وأشياء أخرى. كان التوقيت المناسب. لقد باغتوني عندما اعتقلوني، وباغتهم عندما هربت.

تتهرب من كشف كيف هربت ووصلت إلى تركيا ومنها إلى لبنان، لكن يُعتقد أنك هربت في صندوق آلة موسيقية، وفي طائرتين خاصتين، ومع ميليشيا لبنانية.

الشيآن المؤكدان هما أنني خرجت من بيتي في ظهيرة يوم الأحد، وحططت الرحال ببيروت على متن طائرة خاصة من اسطنبول. دخلت لبنان بجواز سفري الفرنسي وبطاقة هويتي اللبنانية. أكتفي بكشف هذا.

ألا تعتقد أنه يمكن أن تخلق مشاكل دبلوماسية بين اليابان ولبنان؟

لا أعتقد ذلك. أنا مواطن لبناني، ودخلت البلد بشكل قانوني. حتى في تصريحاتي للصحافة، اكتفيت بالحديث عن نيسان وعن المدعين العامين في إطار ما يخصني، دون أن أذكر اسم أي سياسي ياباني. لا أريد القول إن الحكومة اليابانية لم تكن لديها يد في الخدعة، لكني لم أرغب في الحديث عن هذا الشأن لتجنب أي تدهور في العلاقات بين البلدين.

كم من الوقت يجب عليك البقاء في لبنان وعدم مغادرته؟

لقد سحبوا مني جواز سفري. اليوم لا يمكنني السفر، وأنا لست في عجلة من أمري. أنا مرتاح هنا بين الأصدقاء والأحبة في بلد أعشقه. ليس هناك ما يدعو إلى الاستعجال أو القلق.

هل رفعت دعوى قضائية ضد شركة رونو للاستفادة من معاش بقيمة 800 مليون سنتيم سنويا؟

دون الدخول في تفاصيل الدعوى، يمكن أن أؤكد لكم أنني أطالب بحقوقي في فرنسا، لا أقل ولا أكثر، حيث يوجد هناك قضاء مستقل. لا أطلب شيئا غير قانوني. أعتقد أن شركة رونو عاملتني بشكل غير لائق، وحرمتني من حقوقي. في الواقع، أنا لا أهاجم أي أحد، أنا فقط أدافع عن نفسي. لقد ظلمتني اليابان باعتقالي 14 شهرا، دون أن تسمح لي بالاتصال بزوجتي وأطفالي. هذا غير لائق وغير إنساني. وكل هذا لماذا؟ لأنني لم أصرح براتب لم أتقاضه أصلا؟

هل مازلت تؤمن ببراءتك كاملة؟

بالطبع. إما أنك بريء أو مدان. لا توجد منزلة بين المنزلتين في هذا.

في بيروت تقيم في بيت تقول شركة نيسان إنه ملك لها وإنك تحتله؟

إنها ليست المغالطة الوحيدة التي يروجونها عني. هذا البيت هو موضوع نزاع بيني وبين نيسان، والملف بين يدي العدالة اللبنانية. لقد كان قد وُضع رهن إشارتي في إطار تعويض لي.

هل تطرح إمكانية أن تلعب دورا سياسيا ما في الأزمة اللبنانية؟ لقد طرح أحد السياسيين اسمك لشغل منصب وزير الطاقة.

ليست لدي أي طموحات سياسية، ولم تكن لدي سابقا، ولن أغير فكرتي هذه في هذا العمر. أنا جزء من هذا المجتمع، وإذا كانت خبرتي ستكون مفيدة للحكومة الجديدة، فأنا مستعد لخدمة بلدي. لقد قمت بتغييرات جذرية في ثلاث مناسبات في شركات ميتشيبيتشي ونيسان ورونو، والنتائج معروفة. الوضع الراهن صعب في لبنان، لكن ليس من المستحيل الخروج منه.

ما هو مخططك للمستقبل؟ هل ستتقاعد؟ هل ستترك عالم التسيير والمال والأعمال؟

أنا بعيد عن التقاعد. رسميا، أنا متقاعد في فرنسا. هذا لا يعني أنني غير نشيط. سأدافع عن حقوقي في فرنسا وفي اليابان. التجربة اليابانية كان لديها وقع سيئ علي. هنالك الآلاف من الأشخاص الذين يعانون ظلم هذا النظام (الياباني)، ولم يحالفهم الحظ لإخراج ملفاتهم إلى العلن، لهذا، أعتقد أنه يمكن أن أكون مفيدا في هذا الشأن، وأن أساهم قدر المستطاع في التعريف بقضاياهم.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي