بلال التليدي يكتب: انفراج ملكي

15 نوفمبر 2019 - 11:25

في الظروف الصعبة لا تملك الدول إلا تماسك جبهتها الداخلية. خلاصة تطرد في كل التجارب. ويؤكدها تاريخ المغرب السياسي.

سيجادل البعض في مسمّى الصعوبات، وما إذا كان المغرب يعيشها على الحقيقة. وسيجادل البعض الآخر، في حال تقاسم التقييم نفسه، في مفهوم التماسك الداخلي، وما إذا كانت بعض الإجراءات تدخل في مسماها أم لا.

دعونا ندخل ساحة هذا الجدل بهدوء، ونقول إن المغرب اليوم يفتقد لأفكار في إنعاش السياسة، وأن الظواهر التي برزت على الساحة، تؤشر في حدها الأدنى عن ضعف منظومة التحصين السياسي.

منذ حراك الريف، ودون ننكأ جراح الانزياح عن المسار الديمقراطي ما بعد السابع من أكتوبر، تأكدت حقيقة ضعف مؤسسة الوساطة، ووضع الإجماع في دائرة الاحتكاك المباشر مع الجمهور. فرغم سياسة معاقبة الحكومة والوزراء، لم يزد الوضع إلا استفحالا، وأصبح الصوت الغالب يرى أن القرار يوجد في مكانه المركزي بعيدا عن الحكومة، وظهرت، تبعا لذلك، مخاطر تحويل الاحتجاج من الحكومة إلى الإجماع.

الوضع الدولي والإقليمي،  يكتنفه كثير من الشك والغموض، فلا أحد من الدول العربية يعرف على وجه التحديد مكانه من الخارطة، ضمن منطقة اليقين أو الشك.

المغرب، خرج بحذر شديد من زوابع خطيرة، بسبب تحولات سياسات بعض دول الخليج، ودخل في احتكاكات مع السعودية والإمارات، على خلفية نزاع الصحراء، وأيضا على خلفية محاولة إرباك المعادلة السياسية في ليبيا.

الجزائر تعيش مسارا سياسيا مشوبا بكثير من الغموض: خارطة سياسية تُعدّ، وحراك قوي يريد أن يصنع مستقبلا للسياسة بعيدا عن رموز النظام، والمغرب يتابع تطورات الوضع ويحرص على عدم التدخل.

إسبانيا، الجارة الشمالية، تعيش تحولات كبيرة، قد تربك المكتسب الذي بناه المغرب منذ الأزمة العالمية التي عصفت باقتصاد إسبانيا، واليسار المشاكس للمغرب صعد للحكم، إلى جانب ما تعنيه إشارات صعود اليمين المتطرف، لاسيما في سبتة المحتلة التي تختنق بسبب سياسات المغرب في مكافحة التهريب.

ثمة تحد آخر، يرتبط بمواجهة العائدين من منطقة سوريا، من المغاربة الذين انخرطوا في تنظيم الدولة الإرهابي.

الكلام عن النموذج التنموي الجديد، لا يغطي على حقيقة استمرار ارتهان الاقتصاد المغربي للتساقطات المطرية، وتقلبات أسعار الطاقة، والعلاقة مع الشركاء. مؤشرات اللحظة تشير أن السنة الفلاحية ستكون صعبة، مما يعني إمكانية انهيار نسبة النمو، وما ينتج عن ذلك من تضاؤل العمالة المرتبطة بالقطاع، فضلا عن أزمة مياه خطيرة، يمكن أن تحرك احتجاجات الهوامش البعيدة.

موجة الربيع العربي الثانية، لاتزال تمتلك بعد الإلهام، وإن كانت مؤطرة بخلفيات إرادات دولية وإقليمية، لكن بالنسبة  إلى فاقدي الأمل، المثقلين بإكراهات الواقع، هي فرصة للتجربة.

المغرب يدخل السنة المقبلة معترك التهييء للانتخابات. والقوانين الانتخابية ستواجه سؤال نسبة المشاركة ودلالتها السياسية، وسط مؤشرات قاتمة ترتبط بواقع الدمقرطة وحقوق الإنسان، وبواقع حرية التعبير. والمؤسسات الحقوقية الرسمية، التي بدل أن تقدم التقييم والاستشراف الناصح، أضحت تساهم في خلق استقطابات ثنائية على خلفية معارك (الحريات الفردية).

للأسف، مؤشرات الظرفية الصعبة تتضمن كل عناصر الاشتعال، والأهم من هذا وذاك، أن مؤسسات الوساطة لا تمتلك القدرات التحصينية والتأطيرية، وأن مواجهة هذا الواقع سيعيد للأذهان صورة حراك الريف، فالسياسة حينما تضعف آلياتها، لا تكون في الواجهة سوى المقاربة الأمنية.

سندخل في تناقض صعب إن اعتبرنا أن مؤسسات الوساطة هي الوجه المطابق للجبهة الداخلية، وإلا لاعترفنا بدورها في مواجهة الصعوبات، ولذلك نميل للحديث عن المجتمع بكل نخبه، التي قبلت بدور الوساطة، والتي لا تعنى بهذا المفهوم أصلا.

تماسك الجبهة الداخلية لا يعني سوى إعادة الكرة من جديد، ببعث إشارات لإصلاح السياسة. حتى بهذا الركام الذي ينتمي إلى مخرجات سياسات التحكم، فثمة خيارات لإصلاح «الاتحاد الاشتراكي»، من خلال الانعطافة لنخبه الحية، وثمة خيارات للتخلص من «البام» بتركه يعيش مصيره.. وثمة قبل هذا وذاك، خيارات لبعث إشارات تصالحية، تزرع الأمل، وتعيد الحيوية للإجماع في دوره الطلائعي: الإفراج عن معتقلي حراك الريف، والعفو عن توفيق بوعشرين وحميد المهداوي، والإفراج عن مناضل القضية الفلسطينية أحمد ويحمان، ومنح إشارات أمل للصحافة المستقلة لتقوم بدورها، ولِمَ لا العمل على عودة أقلامها الحرة، وحفزها للمشاركة في المساهمة في تجربة ديمقراطية تناصر المغرب وتقويه زمن الشدة.

مغرب ملك شاب طموح وقوي مثل الملك محمد السادس لا يحتمل هذا الجمود، ولا يحتمل أن تتضاءل فرص مواجهته للتحديات، في الوقت الذي يحلم فيه الملك بأدوار طلائعية لبلده ضمن الدول الصاعدة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي