يونس مسكين يكتب: فرصنا الثمينة

04 نوفمبر 2019 - 18:00

المغرب في منطقة مفتوحة على جميع الاحتمالات، ووحدها نتيجة الصراع بين «النبوغ المغربي» وبين الحُمق الذييحاول البعض جرنا إليه، ستحدد مصيرنا الجماعي. كل انحياز إلى الموقف المتشائم بلا حدود أو المتفائل بلا قيود،في الظروف الحالية، سيكون ضربا من التعسّف والقفز على جزء من حقائق الواقع.

فالإيقاع الذي باتت تصدر به الإشارات المتناقضة تسارع في الفترة الأخيرة، إلى درجة توحي بضرورة الحسم بشكلإرادي وبإصرار مسبق، لأن المتاح اليوم قد لا يكون ممكنا بعد وقت قصير. إننا أمام صراع محتدم بين خياراستئناف مسار الإصلاح والديمقراطية والتخليق، وخيار مشروع القبضة الحديدية، واستمرار القوى المهيمنةاقتصاديا في بسط سطوتها السياسية، وإن كان ذلك على حساب تنمية المجتمع واستقرار الدولة.

التقارير الصادرة حديثا عن كل من بنك المغرب والمجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعيوالبيئي، لا يمكن أن تبقى حبيسة الرفوف. في سياق مختلف، كان يمكن اعتبارها مجرد تنبيهات طبيعية يؤخذببعضها ويرد جلّها، لكن، وفي ظل ما يموج به محيطنا الإقليمي من اضطرابات تفتح الدول على المجهول وتستبيحهاأمام التدخلات والدسائس الخارجية، فإننا في المغرب مطالبون بانتهاز فرص، قد تكون الأخيرة، لنبقي مصيرنا بينأيدينا.

يواجه المغرب عموما ثلاثة تحديات استراتيجية كبرى، تتسم كلها بفرصة سانحة قد لا تدوم طويلا. هذه التحدياتهي، أولا، البناء الديمقراطي الذي يسمح باستيعاب التطلعات الشعبية وتعزيز الشرعية السياسية للنظام الملكي،وثانيا، النمو الاقتصادي الذي تجمع تقارير الداخل والخارج على حاجته إلى جرعة من التخليق والتحرير لإنعاشقلبه المختنق. وثالثا، ملف الوحدة الترابية ونزاع الصحراء، الذي تقدّم تطوراته الدولية الأخيرة مؤشرات إيجابية جداعن إمكانية حسمه نهائيا لصالح المغرب.

في التحدي الأول، ورغم عمليات التخريب التي تعرض لها مسار البناء الديمقراطي، فإن خط الرجعة مازال مرسوما،وهذه من خصائص الدولة المغربية. الكلمة المفتاح في هذا الخط هي قدرة المؤسسة الملكية على إحياء الثقة المفقودة،وهو ما أكدته الخطوات الأخيرة التي جرت منذ خطاب العرش الأخير. الوعد الملكي بفتح مرحلة جديدة، وخطوة العفوالباهر عن زميلتنا هاجر الريسوني، أبانا حجم الاستعداد الموجود لالتقاط مثل هذه المبادرات واستئناف مسارالانفتاح السياسي والحقوقي. هذه الحالة العامة من الاستعداد تمثل فرصة سانحة، لولا أن إشارات أخرى منالنكوص والتراجع تشوّش عليها وتهدد بإفشالها، من قبيل الطريقة الملتبسة التي جرى بها تجديد مكتب ورئيس جهةطنجةتطوانالحسيمة، والتي اتخذت شكل التدبير الفوقي، وحملت ملامح الإملاء والاستمرار في صنع الخرائطالسياسية المفتقرة إلى الروح. كما أن ما يجري في الواجهة الحقوقية، خاصة ملف معتقلي الريف، لا يحمل علىالتفاؤل.

أما التحدي الثاني، فإن تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وحتى تقريربنك المغرب السنوي الأخير، ومعه تقرير البنك الدولي حول مستوى الحرية والمنافسة في السوق، كلها تكاد تجمع علىخطورة مستوى الاحتكار والريع والجمع بين السلطة والمصالح الاقتصادية والتجارية في السوق. علينا أن نرتدينظارات قاتمة السواد من النوع الذي تحدث عنه رئيس الحكومة أول أمس في اجتماع حزبي، لكي لا نفهم التحذيرالذي بثه تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، من وجود مسؤولين سياسيين في موقع التدبير، يجمعون بينالحصول على المعلومات الحساسة اقتصاديا، بل ويسهمون في صنعها، وبين موقعهم فاعلين في السوق عبرشركاتهم وإمبراطورياتهم المالية.

وفي انتظار صدور قرارات مجلس المنافسة حول سوق المحروقات، فإن الغضب والاحتقان الشعبيين قد لا يمهلانناكثيرا، خاصة أن بعض الأصوات السياسية الخادمة للرأسمال المعني بهذه التحذيرات لم تتردد، في الأيام الأخيرة،في الهجوم على مؤسسات دستورية من حجم المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،من داخل البرلمان الذي يفترض فيه تجسيد الإرادة الشعبية.

التحدي الثالث، وهو ملف الصحراء، يعرف بدوره لحظة نادرة من لحظات الفرص التاريخية التي أتيحت للمغربلحسم هذا النزاع لصالحه. فالدبلوماسية المغربية نجحت، وبشكل واضح، في تحويل الموقف الأمريكي، الذي كانملتبسا في بدايات عهد الرئيس ترامب، إلى دعم واضح، مع إجماع غير مسبوق بين القوى الدولية المؤثرة التي نجحالمغرب في احتوائها عبر لعب أوراق المصالح الاقتصادية، سواء منها روسيا أو بريطانيا، وقبلهما إسبانيا.

إلى جانب ذلك، باتت إلى جانبنا جزائر مختلفة، وتبدو أكثر استعدادا للتعاون، بل ربما في حاجة بدورها إلىالمساعدة للخروج من مأزق نظامها السياسي الحالي، بما في ذلك تخليصه من عبء ملف الصحراء الذي حملته فيعهد الحرب الباردة. لكن، وبالنظر إلى التقلبات المتسارعة في الوضعين الإقليمي والدولي، فإن عدم انتهاز هذهالفرصة في الوقت المناسب، وتقديم منفذ لصحراويي تندوف لكي يلتحقوا بالحل السياسي في استمرار لنداء الوطنالغفور الرحيم، وعبر تأكيد جدية الدولة المغربية في تكريس خيارها الديمقراطي والجهوي تمهيدا للحكم الذاتي، فإنما هو متاح اليوم قد لا يكون كذلك غدا.

إن العالم اليوم، من أقصاه إلى أدناه، بصدد هدم جل ما بني عليه من قواعد وتوازنات منذ نهاية الحرب العالميةالثانية. لا المنظومة الدولية ستبقى على حالها، ولا لوحة القراءة الفكرية والإيديولوجية ستواصل استباق التحولاتالمقبلة، ولا حلفاء الأمس سيبقون على تحالفهم، ولا أعداء الماضي سيكونون بالضرورة هم خصوم المستقبل.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي