حراك... وحراك

25 أكتوبر 2019 - 08:19

بعد اندلاع الحراكين السوداني والجزائري، انطلقت مواكبة بحثية لهذه الموجة الجديدة، وكان ثمة حذر من إلحاقها بربيع الشعوب الديمقراطي، فيما لم يتردد البعض في وصفها بموجة ثانية من الربيع العربي.

تفسير التردد والجزم في آن واحد، يعود إلى أمرين، الأول يخص الجزائر التي يبرر تأخر ربيعها الديمقراطي بتمثلات الشعب الجزائري لسنوات الدم والخوف من العودة إليها، والثاني، يخص السودان التي تأخر ربيعها الديمقراطي بسبب تصدر الإسلاميين للمشهد في دول الربيع ،في الوقت الذي كان الطيف الإسلامي ماسكا للسلطة في السودان.

ما ميز الحراكان هو حصول وعي شعبي بتغول المؤسسة العسكرية على السياسة والاقتصاد، واستلابها للفضاء العام، وتقييدها للحقوق وللحريات، فضلا عن إدخالها البلاد في أزمة مستعصية، برزت تجلياتها في الجزائر بعد انهيار أسعار النفط، وفقدان احتياطات من العملة الصعبة، وتفكك نموذجها اقتصاديا، وتمظهرت في السودان، بفقدان البوصلة، والتيه في الاصطفاف بين المحاور الإقليمية.

المثير أنه قبل أن تثمر الأجندة السياسية في الجزائر نتائجها، وقبل أن تبرز ضمانات صلابة نتائج اتفاق العسكري وقوى التغيير في السودان، اندلع حراكان مختلفان زمنيا: في العراق، ثم في لبنان، وذلك بتزامن مع تغيير في أجندة السياسة الأمريكية في المنطقة لجهة التخفيف والاستعاضة عن حماية الخليج بتوجيه البوصلة الاستراتيجية نحو محاصرة إيران، باعتبارها المهدد الأول للأمن الإسرائيلي في المنطقة.

لا نريد الخوض في تفاصيل هذين الحراكين، لكن، ما يميزهما عن الحراك السوداني والجزائري، أن اللمسة الأجنبية واضحة،  فالولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من دول الخليج يحاولون نقل تكتيك المواجهة مع إيران، من سياسة رد الفعل إلى استراتيجية استنزافها داخل البلدان العربية، التي تملك فيها النفوذ (لبنان والعراق)، وشل قدرتها على تحريك هذه الأجنحة في معركتها مع أمريكا.

حاصل هذا التحليل، أن الحراك الشعبي اليوم، لم يعد فقط، فرصة للقوى الإصلاحية لاستثمارها لتعديل موازين القوى، ولكنه قد يصير آلية للسياسات الخارجية في المنطقة.

في الحالة المصرية، تم توظيف الحراك لخدمة السلطوية، واليوم، أصبحت القوى التي وظفت في هذا الحراك في وضع لا تحسد عليه، بسبب مآلات الوضع الحقوقي والديمقراطي في مصر السيسي.

معنى ذلك أن الحراك أصبح يأخذ في العالم العربي ثلاثة أشكال، حراك ديمقراطي ذاتي، وحراك النظم السلطوية، وحراك القوى الأجنبية.

في الحالة المغربية، لم نعرف إلا الحراك الأول، مع قدر من التوجيه من الداخل، في حين، ثمة تخوف من استعمال السلطة هذه الورقة كتكتيك سياسي، نظرا إلى كلفتها وعدم وجود ضمانات التحصين من الانفلات، وثمة درجة حساسية عالية من التدخل الأجنبي واستعمال النخب والشارع لتغيير المعادلات السياسية.

العالم اليوم يعرف هشاشة كبيرة، تظهر صورتها الأولى في اتجاه معادلات الاقتصاد العالمي نحو مزيد من فقدان فرص العمل، وانهيار القدرة الشرائية، واضطراب أسعار الطاقة، وتوجه  الموازنات المالية للدول لفك الارتهان بالوظيفة، في حين، تبرز الهشاشة في صورتها الثانية في ضعف قدرات المنظومة الأمنية، بفعل التحكم في وسائل التواصل الاجتماعي وإمكان توجيهها خارجيا لصناعة الحراكات الاحتجاجية.

الحالة الأولى تتوفر شروطها، وكمونها يتجه إلى مزيد من التوتر، بينما يتم العمل بكل الوسائل على تحييد المغرب وإبعاده من خارطة التوترات، حتى لا يُصاب بشرر يجعله في دائرة الاستهداف.

في رؤية الدولة، لا يمكن التعويل على استدامة وضعية الكمون، ولا البقاء في مربع الحياد، بل لا بد من خيارات استراتيجية صلبة تصنع  أسس السلم والاستقرار. والمشكلة أنه ليس لدينا خيارات كثيرة خارج منطق خلق الثقة والأمل، بإجراءات جديدة للانفراج السياسي والحقوقي، وإضفاء جدية على المسار السياسي، والنظر إلى تجارب الجيران، سواء منهم الذين تبنوا الخط الديمقراطي أو الذين يتعرض استقرارهم للمجهول بسبب استحكام منطق الهيمنة على النخب وتوجيهها.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي