منح الجنسية الإسبانية: لماذا السفارديم وليس الموريسكيين؟

16 أكتوبر 2019 - 14:25

تقدم قرابة 130 ألف يهودي من السفارديم بطلب الجنسية الإسبانية، وفقا لقرار كانت قد صادقت عليه حكومة مدريد سنة 2015، وهو القرار الذي خلق تساؤلات وسط المسلمين المنحدرين من أصول أندلسية، أو الذين يُطلق عليهم لقب الموريسكيين، خاصة في الأندلس الذين طالبوا بالمثل.

وتوجد تفسيرات شتى حول قرار حكومة مدريد سنة 2015، هل يهدف إلى جلب رجال أعمال يهود؟ أم يرمي إلى إصلاح قرار تعسفي تاريخي. وبررت إسبانيا قرارها باستعادة جزء من تاريخ البلاد، أي اليهود الذين كانوا عنصرا من عناصر الهوية الإسبانية عبر التاريخ، حتى بدء طردهم منذ سبعينيات القرن الخامس عشر، وبالضبط عملية الطرد الكبيرة سنة 1492 التي تصادف سقوط غرناطة، آخر معقل للسلطة المستمدة من الإسلام في إسبانيا، بعدما كانت قد سقطت قبلها معاقل أخرى مثل قرطبة وإشبيلية وسرقسطة.

ورغم وجود ما يفوق المليون ونصف مليون يهودي من أصل السفارديم، لم يتقدم حتى أكتوبر 2019 سوى 130 ألفا بطلب الجنسية، والمثير أن أغلبهم من أمريكا اللاتينية، ومعظم هؤلاء من يهود شمال إفريقيا، وأساسا المغرب، الذين هاجروا إلى هذه المنطقة من العالم الجديد، بداية القرن التاسع عشر. وفي الوقت ذاته، نسبة كبيرة من المرشحين للجنسية هم من شباب دول تعيش مشاكل سياسية واقتصادية مثل، المكسيك وفنزويلا، وبالتالي، نحن أمام هجرة مقنعة من نوع جديد، وسبق قرار حكومة مدريد قرار آخر وهو الاعتذار الرسمي عن طرد اليهود من إسبانيا، وجاء على لسان ملك البلاد.

واستعادة لأحداث التاريخ، عملية الطرد من إسبانيا شملت كذلك الإسبان وقتها الذين كانوا يعتنقون الديانة الإسلامية، ولاحقا اعتنقوا المسيحية، تحت الضغط وأصبحوا يسمون بالموريسكيين، حيث كانت عملية الطرد الشاملة والمثيرة سنة 1609 مع الملك فيلبي الثالث. واجتمعت عوامل متعددة وراء الطرد منها اعتبار الموريسكيين الطابور الخامس الذي قد يخون إسبانيا، في ظل ضغوطات الإمبراطورية العثمانية، علاوة على التشكيك في اعتناقهم المسيحية، أي التظاهر بالإيمان بالمسيحية علانية وممارسة طقوس إسلامية في الخفاء. وعليه، لماذا الاعتذار لليهود ومنح الجنسية للسفارديم دون الموريسكيين؟ من ضمن الأجوبة عند بعض المثقفين والرسميين الإسبان، هي أن منح الجنسية يرمي إلى استعادة عنصر من عناصر الهوية الإسبانية، إذ تعد إسبانيا من الدول التي لا يقيم فيها الكثير من اليهود، مقارنة مع دول غربية أخرى، خاصة السفارديم الذين تعود أصولهم إلى إسبانيا. وتضيف هذه المصادر في تبريرها أن هجرة الشباب المسلم، خاصة من المغرب هو بمثابة عودة الموريسكيين إلى إسبانيا، إذ يصل عدد المسلمين قرابة مليوني فرد، وهذا يعني 4% من ساكنة إسبانيا. وكان وزير خارجية إسبانيا جوزيب بوريل، الذي سيتولى خارجية الاتحاد الأوروبي، واضحا خلال يناير الماضي عندما قال إن الإسلام جزء من إسبانيا ومن أوروبا، ولم يأت عبر قوارب الهجرة، كما يعتقد البعض، مشددا على حضور الثقافة المستمدة من الإسلام في الهندسة والثقافة والحياة الإسبانية منذ قرون.

وهناك اختلاف جوهري في طريق الاشتغال، هو بلورة اليهود خطاب الضحية عبر التاريخ، ولاسيما في النصف  الثاني من القرن العشرين بعد «الهولوكوست»، بينما يفتقد العالم العربي، خاصة شمال إفريقيا ومنه المغرب لخطاب في مواجهة الآخر الذي هو الغرب. في هذا الصدد، لم يبلور المغاربة خطابا فكريا وسياسيا وتاريخيا لمطالبة فرنسا بالاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها إبان استعمار المغرب ما بين 1912 إلى 1956، إذ يكاد يعد هذا الموضوع تابو على المثقفين، خاصة المرتبطين بفرنسا. ولم ينجح المغاربة في بلورة خطاب تجاه إسبانيا حول جرائمها في حرب الريف، باستثناء مبادرات من طرف بعض ناشطي منطقة الريف. وأقدمت إسبانيا على مبادرات مشجعة لكنها لم تجد التجاوب من طرف الدولة المغربية، ومثقفي هذا البلد المغاربي. في هذا الصدد، تبنى برلمان حكومة الأندلس، التي تتمتع بحكم ذاتي، بلاس إنفنتي، كأب الوطن الأندلسي في الدستور المحلي الأندلسي، وهو سياسي إسباني اعتنق الإسلام، وكان ينادي بوحدة بين المغرب وإسبانيا، وجرى اغتياله سنة 1936 في بداية الحرب الأهلية الإسبانية التي دامت حتى سنة 1939. وأقدم برلمانيون من اليسار منذ العقد الماضي على ضرورة تمتع الموريسكيين بالجنسية الإسبانية. ومن المنعطفات الكبرى ما صرح به، السنة الماضية، وزير الخارجية الإسباني جوسيب بوريل الذي سيتولى خارجية الاتحاد الأوروبي، بضرورة استغلال مناسبة مئة سنة على حرب أنوال 2021 للتصالح مع التاريخ، في إشارة إلى اعتراف ضمني أو تلميح بالجرائم التي اقترفتها إسبانيا في الماضي في شمال المغرب، وأساسا استعمالها غازات سامة ضد ثورة محمد بنعبدالكريم الخطابي.

ورغم هذه المبادرات الإيجابية، هناك قصور بشأن فتح حوار مع الطبقة السياسية والثقافية الإسبانية، حيث هناك من يختزل موريسكيي المغرب في 600 عائلة، هم الذين لهم الحق في العودة إلى إسبانيا، رغم أنه حسابيا استقبل المغرب أكثر من نصف المورسكيين الذين طردوا، أي استقبل قرابة 170 ألفا، وهذا يعني أن نسلهم قد يكون وصل الآن إلى ما يفوق ستة ملايين ضمن الشعب المغربي. وتتفادى الدولة المغربية فتح ملف غازات الريف، لأنه جرى بمباركة السلطات وقتها، وهذا يعني ضرورة تقديم الملكية الإسبانية اعتذارا للمغاربة. ويبقى خطاب ناشطي الريف حول جرائم إسبانيا قاصرا لأنه يركز على التعويض، من دون الانتقال إلى بلورة استراتيجية شاملة تتضمن الاعتراف بالجرائم والمصالحة والتعويض، لكن هذا لا ينفي وجود جهود منذ تسعينيات القرن الماضي في هذا الشأن تستحق التنويه والتشجيع.

تعيش إسبانيا في الوقت الراهن نقاشا مهما جدا وهو، مساءلة تصرف الدولة خلال الماضي ويشمل طرد اليهود والموريسكيين واستعمار منطقة أمريكا اللاتينية، وكذلك الحرب الأهلية. ولم ينخرط المغاربة بشكل مكثف في هذا النقاش، رغم أنه يمسهم في حلقات تاريخية كثيرة، وهي طرد الموريسكيين واليهود، وجرائم حرب الريف وإرغام المغاربة على المشاركة في الحرب الأهلية. وعليه، على الطبقة السياسية والمثقفين المشاركة في هذا المسلسل لبلورة خطاب فكري وسياسي وتاريخي حول قضايا مشتركة مع الجيران الشماليين. 6

عن (القدس العربي)

 

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي