التعديل الحكومي... ليس بالإمكان أحسن مما كان!

14 أكتوبر 2019 - 10:53

شكل الإعلان عن حكومة العثماني في صيغتها الجديدة، ما يشبه دوشا باردا أعاد سقف الطموحات والانتظارات التي تولدت مع خطاب العرش إلى حدودها الدنيا، فانتظارات الرأي العام كانت مؤطرة بأمرين يمثلان عنوانان بارزان. الأول، يتعلق ببداية مرحلة جديدة في تاريخ المملكة بعد انصرام عشرين سنة من حكم الملك محمد السادس، والأمر الثاني، يتعلق ببحث الوسائل والسبل التي تمكن المغرب من تجاوز واقع التوزيع غير العادل للثروة التي يتم إنتاجها، مما يستوجب نموذجا تنمويا جديدا يعالج هذا الخلل الذي يهدد الاستقرار والتماسك، لتحقيق ذلك مثل التعديل الحكومي الذي دعا إليه الملك في خطاب العرش، نوعا من التدخل الاستعجالي لتدارك ما يمكن تداركه دون انتظار الانتخابات المقبلة والإعداد للزمن الحكومي المقبل، هذا الطابع الاستعجالي زاد من حجم الانتظارات المرتبطة بالتعديل، لكن يبقى السؤال، هل عكست الحكومة الجديدة كل الهواجس والخلفيات والأسباب التي أخرجتها إلى حيز الوجود، سواء على مستوى هندستها أو على مستوى أعضائها وانتماءاتهم السياسية والحزبية؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه عبر خمس ملاحظات أساسية:

الملاحظة الأولى:

إذا كانت بعض التفسيرات تقدم هذا التعديل بوصفه حاجة تتخذ طابعا استعجاليا تبعا لما جاء في خطاب العرش، فإن الهندسة الحكومية وتركيبة الحكومة السياسية والبشرية، جعلت منه مجرد إجراء روتيني عرفته الحكومات المتعاقبة وليس من شأنه أن يمثل تدخلا استعجاليا بالأفق الذي رسمه الملك، وإذا استحضرنا أن ما يفصلنا عن انتخابات 2021 لا يتجاوز في أفضل الأحوال سنة ونصف، وأن الحكومة الجديدة ستعمل في إطار البرنامج الحكومي نفسه بأولوياته واختياراته الكبرى، فإننا لا نحتاج إلى كبير عناء، لنقول إن الحكومة الجديدة لا تملك حظوظا لإحداث اختراق كبير في الوضع القائم.

 

الملاحظة الثانية:

تتعلق بما قُدم على أنه إنجاز غير مسبوق، ويتعلق الأمر بالطابع المقلص للحكومة، بل إن كثيرا من المعلقين اعتبر ذلك أمرا مهما، غير أن الواقع يقول إن الحكومات صغيرة العدد تنجح عادة في الدول ذات الطابع الفيدرالي، وتلك التي حققت خطوات كبيرة في مجال اللامركزية واللاتمركز، وتلك التي يمثل فيها القطاع الخاص فاعلا مركزيا قويا في الاقتصاد، والحال أننا أمام تجربة للامركزية ضعيفة، وأمام بداية متعثرة لورش اللاتركيز، فضلا على أننا أمام قطاع خاص ضعيف، يتوقف في جزء كبير منه على الاستثمار العمومي والباقي منه، في غالبيته، لا يمكن أن يعيش خارج منطق الريع والامتيازات والاحتكارات، كل ذلك يتم في ظل استمرار ثقافة للإدارة وللعاملين فيها تتميز بالمركزية المفرطة، كل ذلك يحمل مؤشرات على أن التقليص الذي يستهدف النجاعة والحكامة قد يفرز عكسها تماما، خاصة عندما نقف على طبيعة الهندسة الحكومية التي تعاملت مع بعض القطاعات الحكومة بمنطق «سقط المتاع»….

 

الملاحظة الثالثة:

تتعلق بحجم التغيير الذي عرفته الحكومة، خاصة في ضوء سردية «النموذج التنموي الجديد» التي شكلت موضوع نقاشات طويلة، وكان من المفترض أن يظهر ذلك في إحداث تغيير على المستوى الاقتصادي والمالي، غير أن التعديل الحكومي لم يحدث أي تغيير على مستوى الهندسة الحكومية بهذا المضمون، وبدلا عن ذلك شمل التغيير قطاعات وزارية مثل الثقافة والشبيبة والرياضة والشغل والصحة والسياحة والتعليم العالي ومغاربة العالم، وكلها قطاعات، لا يمثل تغيير وزرائها قيمة مضافة للجواب عن أزمة النموذج التنموي الحالي، وهو ما يعني أننا أمام استمرارية وليس قطيعة كما كان منتظرا.

 

الملاحظة الرابعة:

التعديل الحكومي شكل لحظة إخفاق سياسي جديدة، إذ في ظل دستور 2011، وما مثله في لحظة وضعه وسياقه الذي يعرفه الجميع، يمثل التقنوقراط المكون الأول داخل الحكومة، بل إن الأمر شمل قطاعات غير سيادية بشكل يعيدنا إلى عهد حكومات سابقة، مما يطرح سؤال الجدوى من الانتخابات، ومعنى ربط المسؤولية بالمحاسبة في صورتها السياسية، إذ كيف يمكن أن تتحقق المساءلة لوزراء سيغادرون مناصبهم مباشرة إلى بيوتهم ولأعمالهم الخاصة؟

 

الملاحظة الخامسة:

تتعلق بآليات عمل الحكومة الجديدة وفي صدارتها، القانون المالي، الذي من المفترض أنه يعكس اختياراتها وتصوراتها، والحال أننا أمام حكومة جديدة ستعمل بقانون مالية يمثل توجهات الحكومة السابقة التي كان من المفترض أن يمثل التعديل قطيعة معها، وهو ما يعني في نهاية التحليل، أننا واقعيا وعمليا، نوجد أمام الحكومة السابقة نفسها.

هذه الملاحظات تكشف أننا افتقدنا للمدخل الحقيقي لإحداث التغيير المنتظر في واقع بلادنا، وهذا المدخل هو المدخل السياسي، ليس الأمر بالتأكيد اكتشافا جديدا، لكنه مجرد تذكير بالحقيقة التي نجتهد في إخفائها باستمرار دون جدوى.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي