يونس مسكين يكتب.. الدخول المنتظر

30 سبتمبر 2019 - 18:00

نفتتح اليوم أسبوعا يمكن اعتباره لحظة دخولنا السياسي لهذه السنة، باعتباره يشهد حلول شهر أكتوبر، ونهاية حتمية لانتظارات كثيرة جرى إطلاقها في الفترة الأخيرة، خاصة عبر خطاب العرش الماضي، وما تضمنه من إجراءات وضع لها الملك لحظة افتتاح البرلمان، يوم 11 أكتوبر، عتبة لا ينبغي تجاوزها. وإذا كانت الدولة تنتظر هذا الأسبوع لتعرف مصير حكومتها، وما سيتغيّر في مواقع كبار مسؤوليها، وما ستنطوي عليه اللجنة الملكية الاستشارية المكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد من إشارات أولية؛ فإن المجتمع بدوره لديه انتظاراته التي لن يكون للخطوات الكبرى التي ستمسّ مواقع المسؤولية في الدولة معنى دونها. وإليكم أبرز انتظارات هذا الدخول المنتظر:

التعديل الحكومي: يفترض أن نضع في هذا الأسبوع نهاية لرياضة التخمينات والتقديرات و«قشور الموز» المتناثرة في الساحة الإعلامية، ونتعرّف على الهيكلة الجديدة لحكومة سعد الدين العثماني، والوجوه التي ستجسّد مطلب الكفاءة الذي رفعه الملك في خطاب العرش، وبات الجميع ينتظره. في الحقيقة، سيكون العثماني أكبر الممتحنين في هذا الاختبار، ليس فقط لأن فكرة اختيار وزراء أكفاء علقت في الأذهان، وباتت مقياسا جديدا لتقييم أدائه، بل لأن المطالب الأول بإظهار الكفاءة في هذه اللحظة هو العثماني نفسه. والمشكلة أن الكفاءة المطلوبة من رئيس الحكومة تختلف عن تلك التي سيوزن بها الوزراء الجدد، فالمطلوب من العثماني أن يظهر كفاءة سياسية كبيرة في جعل التعديل الحكومي يعكس احتفاظ حكومته بقدر من الروح السياسية، وتجسيد الإرادة الشعبية والقدرة على بث الأمل.

اللجنة الملكية: لا شك أن الملك سيفي بوعده الذي قدّمه في خطاب العرش، بتشكيل لجنة استشارية مكلفة بإعداد النموذج التنموي الجديد قبل افتتاح البرلمان. أبرز ما ينتظره المراقبون من هذه اللجنة، هو هوية الشخصية التي ستتولى رئاستها. المعطيات التي تسرّبت حتى الآن من عمليات البحث عن الشخص المناسب لم ترسُ بعد على اسم نهائي، كما أن الشكليات التي ستحيط بتنصيب هذه اللجنة ستكون لها دلالات خاصة، وستحكم سلوك الكثير من الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين في الشهور المقبلة. الملك أعلن في خطابه أن تركيبة هذه اللجنة ستضم مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص… وحرص على تأكيد أنها لن تكون بمثابة حكومة ثانية، أو مؤسسة رسمية موازية؛ وإنما هي هيئة استشارية، مهمتها محددة في الزمن، وبالتالي، فإن إحداث هذه اللجنة ينبغي ألا يكون ذريعة لأي انتظارية أو جمود.

إعمال المحاسبة: لقد أجرينا جميعا «التسخينات» اللازمة استعدادا للدخول السياسي الحالي، على وقع التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات. قضاة إدريس جطو أحيوا مواجعنا بنشرهم غسيل الكثير من الإدارات والوزارات والمؤسسات العمومية، وقالوا إنهم أحالوا من يستحق الإحالة على المساطر الجنائية، وأصدروا القرارات التأديبية في حق من أخطؤوا في تدبير المال العام، لكن ذلك لا يكفي. ننتظر تفاعل باقي المؤسسات مع الفضائح والاختلالات التي تضمنها التقرير، خاصة ما ينعكس منها على الحياة اليومية للمغاربة ويهددهم في صحتهم وقوت يومهم. سنرى هل سيباشر البرلمان مهامه تجاه هذا التقرير، وهل سيبادر القضاء إلى فتح أبحاث جديدة لبلوغ ما لم تبلغه تقارير المجلس. إلى جانب ذلك، سيكون تعاطي مجلس المنافسة مع ملف المحروقات حاسما في رسم المزاج الذي سيقضي به المغاربة سنتهم «السياسية الجديدة». بين يدي خبراء ومقرري مجلس إدريس الكراوي شكايات ومعطيات وقف عليها البرلمان، وأخرى ثبتت للمجلس نفسه، كما نشرت الصحافة أخيرا، حين أعلنت وجود تواطؤ بين 9 شركات على الأقل. وحدها القرارات التي سيتخذها المجلس يمكنها إعادة الأمل في جدوى القانون والمؤسسات.

نزع الفتيل: رغم أن الكثير من المراقبين والفاعلين المباشرين في المجال الحقوقي أصيبوا بخيبة أمل كبيرة بعد مرور جميع المناسبات الوطنية الأخيرة دون تحقيق خطوة انفراج كبيرة في ملفات تحرق أعصاب المغاربة منذ أكثر من سنتين، فإن المخرج المؤسساتي والقانوني والقضائي مازال ممكنا. ملفات معتقلي حراك الريف والصحافيين توفيق بوعشرين وحميد المهداوي وهاجر الريسوني، على اختلاف «تكييفاتها»، مازالت قابلة للإغلاق وتحقيق الانفراجة الكبرى عبر المساطر القانونية والقضائية. فمن ينتظر حكمه الابتدائي، يمكن تجنّب إضافته إلى قائمة ضحايا تنفيذ متعسّف لسياسة جنائية بات واضعها مجهولا في ظل البنية المؤسساتية الحالية، ويمكننا أن نستقبل اليوم زميلتنا هاجر الريسوني في باب المحكمة، ونعيدها إلى بيتها ومكتبها، ونطوي الصفحة رغم مرارتها. ومن يوجد في مرحلة الاستئناف، لا يمكن اعتبار إنصافه وتمتيعه بحماية القوانين والدستور لقرينة البراءة انتصارا لطرف على حساب آخر، وبالتالي، فإن إنهاء قضية توفيق بوعشرين لا يمكن أن يكون «هزيمة» لأي كان بعد كل ما مرّ عليه وعلى أسرته وجريدته في العامين الماضيين. أما قضاة محكمة النقض فأمامهم فرصة سانحة ليدخلوا التاريخ، ويعيدوا ملفات معتقلي حراك الريف إلى قضاة الاستئناف مذيلة بملاحظات تعيد الأمل إلى المغاربة في إمكانية تحقق العدالة ولو بعد حين.

إن الرهان الأصعب في حياة الأمم هو إعطاء معنى لما تعيشه من أحداث. فنحن على يقين من أننا سنعيش في الأيام القليلة المقبلة تعديلا موسعا للحكومة، وتنصيبا للجنة ملكية لإعداد نموذج تنموي، وستنعقد المحاكم في القضايا التي يشهد البعيد والقريب بانطوائها على قدر من الظلم، وأن البرلمان ومجلس المنافسة والمجلس الأعلى للحسابات والمجلس الوطني لحقوق الإنسان… كلها ستباشر مهامها وستصدر قراراتها وتوصياتها؛ لكن ما نترقبه حقا هو ما إن كان كل ذلك سيحمل في طياته معنى يفتح أبواب الأمل في وجوه المغاربة، أم سيكون مجرد أحداث عابرة يدونها مؤرخون عابرون.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي