أتمنى حصول المعجزة لكني لا أتوقع ذلك

02 أغسطس 2019 - 10:25

كل شيء أصبح مكشوفا اليوم، حاجات الدولة وطموحاتها ومخاوفها، وحتى تدبيرها السياسي. الدولة تريد الخروج من ضيق النموذج التنموي المعطوب، الذي أنتج هبات اجتماعية لا تختلف من حيث الرسائل عن هبات العهد السابق، وتدرك جيدا أن السبب الرئيس المحرك لهذه الهبات هو عدم وصول عائدات النمو إلى الشرائح الضعيفة، وربما الآن حتى المتوسطة.

بالأمس شخصت المشكلة بطرح سؤال أين الثروة؟ ثم لاحت نقطة ضوء باستدعاء «الرأسمال غير المادي»، لكن الدولة، اليوم، ربما تعي أن المسار الذي بذلت فيه دراسات لتقدير هذا الرأسمال، غير مجدٍ، وأن الأولى البحث عن الثروة المادية، بدل الجري وراء سراب الرأسمال غير المادي.

تقرير بنك المغرب يقول كل شيء؛ قدرة المغرب على النمو محدودة جدا وسط محيط اقتصادي دولي إقليمي محكوم بالشك، ونموذج تنموي فاقد للقدرة على الاستمرار، فضلا عن أن يضمن الفعالية، لذلك، يقترح، كل مرة، تناسق المشاريع وتكاملها وضمان فعاليتها.

تقر الدولة بأن المشكلة تكمن في نموذج تنموي ينتج شروط الهبة الاجتماعية، لذلك، همها الكبير تأمين نموذج تنموي آخر، مدر للثروة وقادر على إيصال عائداته إلى الجميع.

دعونا من الآليات، وكيفية تبلور المشروع، فتلك قضية لها علاقة بالسياسة أكثر من علاقتها بشروط إنتاج الرؤية والمعايير الواجب استحضارها في المسهمين فيها.

لن يأتي المشروع التنموي من واقع الفراغ، بل ينبني على ما تراكم من خطوات إصلاحية سابقة قصد بها تجاوز النموذج التنموي المعطوب.

كان الأصل في المخطط الأخضر التحرر من إكراه الطبيعة، والتوجه نحو ترصيد الإنتاج وتشجيع الصادرات، مثلما كان القصد من المخطط الأزرق عصرنة القطاع لمضاعفة الإنتاج وتقوية صادرات المنتجات البحرية.

يتحدث تقرير بنك المغرب عن تردد وتذبذب في المنتَج الفلاحي بسبب إكراهات الطبيعة، ويتحدث عن قفزة نوعية واحدة في مجال التصدير هي التي تخص السيارات.

لقد جرى الاستثمار الضخم في قطاع الطاقات المتجددة، وفُتح مجال أوسع للتنقيب عن مصادر الطاقة، وقدمت معطيات واعدة عن احتياطات مهمة للغاز، لكن، إلى اليوم، لايزال تقرير بنك المغرب يتحدث عن الفاتورة الطاقية المكلفة بسبب ارتفاع أسعار النفط.

الدولة استثمرت كثيرا -برؤية استراتيجية عميقة- للتوجه إلى العمق الإفريقي، بسياساتها الخارجية، وأيضا بسياساتها الداخلية، بتحويل المغرب من دولة عبور إلى دولة إقامة بالنسبة إلى المهاجرين الأفارقة، لكن، إلى الآن، عائدات هذا الخيار الاستراتيجي لم تعدل شيئا في المعادلة. التعليم الذي ركزت الدولة لأكثر من ستة عقود على محورية إصلاحه لإنجاز التقدم المقصود، لا أحد استقصى الاستثمارات الضخمة التي بذلت من موازنة الدولة المالية، وربما من استقلالها الاقتصادي والثقافي واللغوي من أجل أن يضطلع بدوره، لكن المشاريع كلها سقطت، بما في ذلك مشروع الميثاق ومشروع البرنامج الاستعجالي، واليوم يوضع مشروع الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار في محك الاختبار. هل ستحدث معجزة من أجل أن يتبلور مشروع تنموي جديد يدر الثروة ويوصل بركاتها إلى الجميع، بما في ذلك الفئات المقصية والمهمشة التي تُخشى هبتها الاجتماعية؟ هل يمكن حصول كل ذلك في ظل شروط الهيمنة الاقتصادية والتحكم السياسي؟

نعم بالإمكان البحث عن مصادر جديدة للثروة، وبالإمكان تجاوز العديد من الإكراهات التي كانت تضيق الفرص على النموذج التنموي السابق، وبالإمكان أن تحصل تغيرات في المحيط الدولي والإقليمي، وتصير مشجعة بدل أن تكون كابحة، لكن، ما الذي يضمن مرة أخرى ألا نواجه النتيجة نفسها، فيهيمن المهيمنون على عائدات الثروة الجديدة، ويصدر خطاب آخر للدولة يتحدث عن جهود وإنجازات بذلت من غير أن تصل عائدات النمو إلى كل الشرائح؟ أتمنى صادقا أن تحصل المفاجأة والمعجزة، لكني، بصادق العبارة والنصح، لا أتوقع ذلك في ظل شروط هيمنة اقتصادية وترهل سياسي وانزياح عن المسار الديمقراطي.

أقصى ما يمكن أن أتوقعه، أن تلجأ الدولة إلى سياسات اجتماعية جزئية تمتص بعض شروط الهبة، بزيادة أجر، أو تعويضات، أو بعض الخدمات الاجتماعية، أما قضية التشغيل، وحل مشكلة السكن، وضمان شروط العيش الكريم، فتلك معضلة لا يوجد حلها خارج شروط السياسة وتقوية الحقل الحزبي والتعزيز الفعلي للمسار الديمقراطي، إذ لا يمكن القضاء على اقتصاد الريع، وتشجيع المبادرة الحرة، وتكريس مبدأ الشفافية والحكامة وتكافؤ الفرص الاقتصادية، وكذا تقليص الفوارق الاجتماعية، بنخب ذيلية، ترضى بأن تُتجاوز وظائفها الدستورية، فقط لأنها تؤثث المشهد وتستفيد من الريع.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي