منير أبو المعالي يكتب.. أخنوش لا يريد محطة وقود

27 يونيو 2019 - 19:00

هذه المرة، يجب أن نأخذ المسألة بالجدية المطلوبة؛ كما تتصرف الشركات يجب أن تكون الأحزاب. بالاستحواذ على حصص الشركات المتقلبة الأسهم وضمها إلى الشركة الأم، أو باقتنائها بغرض تفكيكها لاحقا ثم التخلص منها بشكل نهائي، تتشكل صور جديدة للسوق الحرة وقد أخليت من المنافسين. في قانون الأحزاب، لا شيء يمنع ذلك، والمصطلحات الواردة فيه تشجع على القيام بمثل هذه العمليات، لكنها، وإن لم تشر إلى ذلك، تضع بشكل ضمني الشرط الجوهري؛ الإرادة الحرة والطيبة. لا يمكن أن تتلاعب بأسهم منافسك لكي تستطيع هدم كيانه، ثم تفرض عليه السيطرة والاستحواذ. في اتحاد واندماج الأحزاب ليس هناك إكراه، وفي لعبة التنافس بينها، ليس هناك تلاعب بالأسهم، أو تحطيم معنويات مجلس الإدارة. لا يمكن أن يفرض حزب إرادته على حزب آخر، وكأنه بصدد سلب أرض من مالكها، أو شركة من أصحابها.

غير أننا الآن إزاء نموذج مختلف، وينطوي على خطورة كبيرة. الإدارة الطويلة للشركات واتحادها، والخبرة المتراكمة من وراء ذلك، قد تدفعك إلى التفكير بأن ما يمكن فعله في التجارة سيصلح لتنفيذه في السياسة. وإذا كنت جشعا، وَذَا قدرة مالية هائلة تسمح لك بفعل أي شيء، فإنك لا محالة ستفكر في ضم الأحزاب كذلك إلى محفظة شركاتك، وقد تحتاج إلى سماسرة بارعين في بورصة قيم الكيانات السياسية، ومساعدين يستطيعون تحديد أي وقت مناسب للشراء أو البيع، أو حتى للتخلي عن الصفقة، لكنك وحدك من بمقدوره أن يفرض الفكرة الأساسية؛ أي الطريقة التي يجب أن ينظر بها العالم إليك وأنت تقوم بذلك.

كان خلط التجارة بالسياسة عملا يستوجب التحذير، لكننا ما كنّا نعتقد أن بمستطاع التاجر أن يغير القواعد كلها، فأن يربح مؤقتا أو باستمرار من الجمع بين وظيفتين كانتا تبدوان، حتى وقت قريب، متنافرتين دون وجود قوانين صلبة، فقد كان ذلك مدرجا ضمن أعمال الضغط الماكرة. إذا كنت تنوي الوصول إلى السلطة لكي تغذي ثروتك، فإن ذلك طريق واضح كما هو شاق، لكن أن تغير هندسة المجال السياسي لكي يصبح شيئا يشبهك، فإن ذلك طريق غامض كما هو معقد.

عزيز أخنوش ملياردير كبير، لا يتردد في إظهار نفسه شخصا غير عابئ بما تتيحه السلطة من موارد إضافية. قد تغنيك السلطة في المغرب عما كنت عليه، كما يمكنها أن تُعيدك إلى ما كنت عليه قبل ذلك، يتوقف ذلك على ما تملكه من مهارة وفعالية.

تسلم أخنوش حزبا منهكا في وقت طارئ، قبل ثلاث سنوات تقريبا، ولم يتوقف، منذ ذلك الحين، عن تصوير الجنة لأتباعه. لم تعد المرتبة الأولى شيئا مستحيلا بعد الآن. كيف سيفعلها؟ لدى أخنوش الكثير من الأفكار التي تحاول وكالات تواصل مكلفة صقلها وترويجها، لكن، في هذه البلاد، صندوق الاقتراع لا يبتسم لك فقط إن كنت تمتلك حملة علاقات عامة جيدة.

على أخنوش أن يبحث عن «شركة» تنافسه في سوق السياسة، وأن يضعفها أو يخفض قيمتها في السوق، أو يشتري حصصا كبيرة من أسهمها، أو يحول ولاء أعضاء مؤثرين في مجلس إدارتها. وخلافا لما فعله حزب الأصالة والمعاصرة عندما استحوذ على «دكاكين» صغيرة لإعلان قيامته، يركز أخنوش نظره على الطريقة المناسبة للاستحواذ أو السيطرة على ما هو أضخم. وليس هناك طريق سهل لفعل ذلك غير دفع الهدف إلى الهاوية.

لم يندحر «البام» في الانتخابات، لكنه تصرف بعدها وكأنه لم يكسب سوى 37 مقعدا، فيما تصرف من بالكاد جمع تلك المقاعد الـ37 وكأنه يملك في جيبه 102 مقعد. وهذه هي خدعة التاجر الحاذق على كل حال، وحق له أن يفخر بذلك. ليست لدينا شكاوى ضده.

تكشف الأزمة الحالية في «البام» خيوطا كانت حتى وقت قريب مبعثرة ويصعب تحديد وجهتها النهائية، لكننا اليوم إزاء عناصر مفيدة لتكوين رأي حول ما «ينبغي أن يكون» في 2021.

لا يمكن، بأي حال، أن يصل كلا الحزبين، البام والأحرار، إلى صندوق الاقتراع وهما يمتلكان القوة نفسها. هذه وصفة غير صالحة للعمل. على أحدهما أن يقدم العرض الأفضل. حتى الآن، لم يعرض «البام» شيئا، فهو غارق في أعطابه كما نماها إلياس العماري في حزبه ثم تركها ميراثا ثقيلا، وعلى أخنوش أن يثبت أن لديه العرض الأفضل.

وبالرغم من أن القانون يحرم الاحتكار، فإن التجار يميلون إليه عادة. ومثل شيء غريزي في البشر، يستطيب هؤلاء أن ينفردوا ببعض الأشياء، حتى وإن كانت عرضا سياسيا.

الوصفة الناجحة بسيطة إذن؛ أن تفكك الحزب الذي ينافسك وكأنه شركة شحن يسيرها أشخاص ذوو نظر قصير. لم يحدث هذا من قبل، كانت السلطة هي من يتكفل بذلك.

لا يريد أخنوش من وراء هذه العملية أن يستحوذ على محطة بنزين إضافية. إن مهمة 2021 لن يكتب لها النجاح إن لم ينته بالمرة من مكرر البترول.. البترول نفسه الذي يتزود منه ويوزعه هو أيضا في هذه الفترة على شكل دعاية سياسية. ذلك هو منافسه الحقيقي.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي